فتاوي جديدة أم هترشة ؟ رشيد خالد إدريس موسي [email protected] لا أدري لماذا ينشط عقل الخرافة في أيام التحولات السياسية, بحيث يكون الشغل الشاغل لبعض الناس, هو الحديث عن الخرافات و ما يسمونه , ما وراء الطبيعة me taphysics ؟ في أعقاب هزيمة يونيو 1967م, سرت شائعة في مصر, تفيد أن السيدة مريم العذراء, حطت علي الأرض بجوار إحدي الكنائس في مصر الجديدة و شاهدها خلق كثير. صار حديث الناس في تلك الأيام, هو خبر السيدة العذراء التي شرفت مصر بزيارتها الميمونة. و في ديسمبر من العام الماضي ( 2010م ) سرت شائعة , تفيد أن السيدة مريم العذراء, رفرفت بجناحيها فوق أرض المحروسة, بمناسبة عيد الميلاد و سلمت علي الجماعة و باركت لهم العيد, ثم صعدت إلي السماء. يا سلام ... العذراء كدة حتة واحدة ! يا حلاوتك يا مصر يا أم الدنيا. هكذا يقولون. كل شيئ يجوز في مصر أم الدنيا. و يا مصر كم فيك من المضحكات , كما قال المتنبي. غير أن أغرب أنواع الفتاوي, ما بدأ ينتشر في الأيام الأخيرة, أي بعد قيام الثورة المصرية و خلع الرئيس محمد حسني مبارك. لا أدري هل كان الأمن المصري, يمنع إصدار مثل هذه الفتاوي ؟ أم هي حالة الحيرة و التيه التي يعيشها الناس هناك, خلقت بيئة صالحة لإنتشار هذه الفتاوي العجيبة ؟ منذ شهرين, أصدر أحد الشيوخ فتوي بإباحة الرق, لعلاج المشكلة الإقتصادية. يعني ببساطة كدة, علي الناس أن يشتروا و يبيعوا هؤلاء العيال المتعطلين و المتبطلين و يتكسبون من ورائهم. ثم إستغلال ثمن البيع في تنشيط الدورة الإقتصادية, مثلما كان يحدث في الزمن القديم. نعم كان الرق, عنصراً من عناصر الإنتاج في ذلك الزمان. و لكن كانت هناك مآسي يندي لها الجبين, تمثلت في إسترقاق البشر و سوقهم قسراً , مكبلين بالقيود و تحت تهديد السلاح, ثم تدجينهم و بيعهم كما تباع السوائم و إستغلالهم في إنتاج الثروة. كان عصر الرق, وصمة عار في جبين الإنسانية. و لقد كتب الإقتصاديون الأمريكيون عن تجربة الرق التي عاشتها أمريكا و ما يسمونه, إقتصاديات الرق Economics of slavery و منهم بول سامويلسون, الإقتصادي الأمريكي الشهير. لقد إختفت هذه الظاهرة القذرة, أي تجارة الرقيق بشكلها التقليدي منذ سنين بعيدة. لكن نشأت و للأسف, تجارة للرقيق من نوع آخر, سموها تلطفاً ( جريمة الإتجار في البشرTrafficking ), مثلما نقرأ عنه من تهريب للبشر من مكان لآخر و في ظروف خطيرة و إستغلالهم في أعمال السخرة و بأجور متدنية و العمل في ظروف قاسية. و مثل ما نسمعه من تهريب للفتيات و الأطفال القصر و إستغلالهم في ممارسة الرذيلة. و غيره من صور الممارسات القبيحة, التي تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية. متي يرتقي هذا الإنسان و يقلع عن هذا السلوك غير السوي ؟. و السؤال الذي يطرح هو : هل إطلع هذا الشيخ, الذي أصدر هذه الفتوي, علي تاريخ الرق, قديمه و حديثه, قبل أن يصدر فتواه هذه, أم هي مجرد فتوي , أصدرها وفقاً لقاعدة ( خالف تذكر ) ؟. عجيب أمر هؤلاء الشيوخ , الذين أخذوا يمارسون الفتيا في هذا الزمان الصعب. و فتوي أخري, أكثر غرابة, أصدرها شيخ مصري, دعا فيها الناس إلي أكل لحم الجن , إذ أفاد ( أصل لحم الجنية دة حلو قوي... أحلي من لحم الجمل ... يا سلام يا وااد ... جرب )!. يبدو أنه قصد بفتواه هذه, المساهمة في علاج الضائقة المعيشة , إذ إختفي لحم الجمعية أبو 68 قرش للكيلو و أصاب البعض قرم للحم. الله يرحمك يا عب الناصر و يرحم الجمعية و يرحم الإشتراكية و يرحم ماركس كمان.قلت إيه يا واد ؟ لا قصدي ماركس دة مات من زمان قبل عب الناصر!. ليست المسألة في أكل لحم الجن أو لحم الحيوان. هذه مسألة ليست ذات موضوع و إن كان ما يقال من لغو, يؤدي إلي التشويش علي عامة الناس. لكن تكمن المشكلة, في هؤلاء الشيوخ الذين أتوا من وراء التاريخ و أخذوا يقصرون الثياب و يطيلون اللحي, ثم يجلسون في مقعد الفتيا و يفتون بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير. هذه هترشة و ليست فتوي. أين المرجعية الدينية و المجامع الفقهية, مثل الأزهر و دوره تجاه هذا الترخص في الفتيا ؟. خطورة هذا الإتجاه السلفي, يتمثل في إرتداد عقل الخرافة, بعد هذه الرحلة الطويلة من التنوير التي قطعتها البشرية, بحيث يعود الناس إلي عصر الجن و الخرافات و الخرابات و الهترشة و التفكير الرغائبي, و بالتالي يصاب الناس بالوهم, ما دام أن هناك عالم سفلي يتحكم في مصيرهم. لن يجدوا الحل لدي هؤلاء الشيوخ الجهلاء. سيبيعون لهم الوهم , فيخسرون مرتين, مثلما يشاهده المرء من تكدس للشباب في عيادات هؤلاء الشيوخ و كلهم يعانون من القلق, بسبب التعطل عن العمل و تأخر قطار الزواج و غيره من المشكلات التي نتجت عن تعقيدات الحياة المعاصرة. لم يتسبب العالم السفلي في خلق هذه المشكلات, بل نشأت بما كسبته أيدي الناس. إذن فلنعمل العقل و لا شئي غيره.