[email protected] دعوة إلى هجرةٍ عَكسية، وادي حلفا مِلكٌ لنا ونحنُ أولى بها، حلفا المِهجَرخُسرَانٌ للذات تَبطلُ إستدامته/ محجوب بابا مدخل تأسست جُنحَة التهجيرالقسري على وأد تناسق الجغرافيا مع التاريخ في ثقافة المُهَجَرين وقد إستصعبَ على التيارات الغازية كامل إحتوائها، مما يضطرها على الذوبان والإمتزاج لتشكيل رحم السودان الشامل. وبرهان هكذا القاعدة معايشة الأمة لموروثاتٍ من ما قبل التاريخ والأديان، إذ ما زالت الموروثات النوبية وعلى بُعدِ عقودٍ من قرون التوحيد يهودية أومسيحية كانت أم إسلامية، تنعكسُ برسوخ في كثيرمن مظاهر الثقافات السائدة مثل التبرك بالمياه والنيل ومعاني جريد النخيل والوشم وحتى تخطيط رسم الصليب أوالهلال. يُستَخلصُ من هكذا الشواهد، في علوم التراث والآثار ودراسات المجتمع، رسوخ معالم الثقافة النوبية المكتسبة من بيئة وادي النيل ومغالبتها المتواصلة لكافة التيارات الغازية، بل وإجبار الغازيات على التكيف والتهذب والموائمة مع قاعدة الموروثات، مما ينعكس كصفات للشخصية النوبية الموسومة بالعقلانية واستحكام المنطق في تذوق مظاهرالحياة المُتَجَلية فيهم حتى بتعبيراتهم الساخرة الناقدة المُلطفة بروح النكته والمُزدرية لكافة مستويات التسلط. وكان في هذا وذاك مُنطلقاً لجُنحَة التهجير. مُلهمات وادي النيل على المُهَجَرين أبدع المرحوم شاعرأرقين حلفا مُرسي صالح سراج في تلخيص ملهمات وادي النيل في الأبيات الآتية: هام ذاك النهر يستلهم حُسنا فإذا عبر بلادي ماتمنى في دمانا من خلودِ الغابرين خلقٌ يسمو وعَزمٌ لا يلين حين حطَ المجدُ في الأرضِ دروبه عزم تهراقا وإيمان العروبة عرباً نحنٌ حَملناها ونوبه وقال شاعرآخر كان ثراءٌ يعدلَ ذهباً، لكن بِيعَ بغيرمَزاد/ كان تُرَاثٌ يبعثَ طَرَباً،، لكن راح بغير معاد/ أحكي ماذا؟ أخفي ماذا؟ قلبي نارٌ تحت رَمَاد. تتمحور مُلهمات وادي النيل على المجتمع النوبي في الخصائص الآتية: المجتمع النوبي: مَفتوحٌ قابلٌ للتعامل والتعايش مع الآخرين رغم الإحساس بالذاتية المُعافاة من سوءة التميز/ مُتداخلٌ دون ترتيب طبقي رغم بعض التباينات العرقية بين الفدجا والأوشكرين والكُشَاف والمستعربة/ مُتَكَاملٌ في شتى سُبل كسب الحياة، يُعايش الفزعة في الأفراح والأطراح/ مُتَماسِكٌ رغم مُعاناة الشَتاتِ والهجرات ومطاردات سبل كسب المعايش/ مُقَدسٌ للأسرية الممتدة ومُتَفاخرٌ بإتساع العزوة وإرتباطات القرابةَ بالأصل والرحم والنسب/ مُحترفٌ لتسخير وتوظيف مُعطيات الطبيعة في تيسييرالحياة مثل الإستزراع مع إستئناس الحيوان الأنسب والعمل في المُهمات المدنية والحضرية بالأجرة مع مواظبة التجويد والإرتقاء بالتعليم والتعلم/ كما هو عاشقٌ للفنون والطرب والرقص، الأغاني عندهم سلسة ورصينة وعذرية عميقة ورمزية المعاني، والرسم التشكيلي والزخرفة على جدرانهم جذابةٌ ومعبرة ومتجذرة في معالم الإيمان والفكر والفلسفة، فضلاً عن أنه مُسالمٌ ينبذُ الإقتتال لم ولن يمارس حمل السلاح رغم إجادة التلاسن ومقارعة الحجة بالحجة والعقل. خُسرَانٌ المُهَجَرين في حلفا البديل يمكن إيجاز الخُسرَان المُبين في إفتقادهم لكامل مُلهمات البيئة الأم المُنعَكِسَة في المظاهر الآتية: 1) تقلصت مساحات الإنفتاح بالتهجيرمن حزام الحدود مع الخارج المُتَحَضِرإلى إنغلاق الدواخل. 2) إنكمشت خاصية التكامل والتواصل وفقاً لإختلال شكل البناء الإجتماعي بالإسكان في قري رقمية متباعدة مع إهمال المشروع الإعاشي والتهميش. 3) انحصر دور المرأة من المشاركة بالمناصفة بل من تبوء موقع الريادة، إلى التبعية والإنغلاق في إدارة المساكن. 4) إختفت معالم الفن التشكيلي النوبي المُطَعَم بأريج الحضارات وهيمنت مطليات الألوان الباهتة عديمة المعاني والذوق. 5) إختفت زُخرفة واجهات المنازل النوبية بخطوطها ورسومات عميقة المعاني واستبدلت بألوان الطلاء غير المتناسق. 6) أستبدلت إتساعات المساكن الحاضنة للأحفاد بأخرى محدودة الإيواء مما يحمل تفريقاً لشمل الأسر وانعدام الطمأنية. 7) إختفى الزي النوبي التقليدي المميز واستبدل بخليط من أشكال الملبس المستورد أو المحلي الغريب على الأنظار. 8) إفتقدت الكلمة النوبية الفدجا بريقها وأصبحت خلطاً ممجوجاً بين العربية الوسطية والبيجاوية الأباسينية الشرقية. 9) إنحَبَس المهجرون على أرض جرداء خالية من مظاهر الحياة بعد أن كانوا على ظلال الجنات والخضرة والسندس. 10) جُفِفَت سُبل كسب الحياة وإضطربعضهم إلى النزوح إلى حواشي المدن واحتراف هوامش الأعمال مما يعني تبدل السلوك. صَحيفَة الإتهام المُبتَدأ قول الشاعر: هذا جناه أبي عليَ وما جنيتُ على أحد أم الخبر على التوالي الآتي: قبل الإستقلال، إزدواجية المواطنة بين مصطلحي (طالع السودان ونازل مصر)./ بعيد الإستقلال، معاناة الإنحطاط بين فكي كهنوت الطائفية جنوباً وعنصريات القومية العربية شمالاً./ عهد العسكرالأول، خُسران الأرض والهوية بتنازلات إتفاقية السد العالي./ عهد الإكتوبريات، مصارعة صعاب بيئة أرض المهجر والمعادلات القبلية الرعناء./ عهد العسكر المباد الثاني،، التهميش المتعمد تحت دعاوي مركزية المقاومة اليسارية لرفض المهجرين لتوجهات الشمولية./ عهد العسكر الحالي،، إغتصاب الحقوق والأملاك لإزدراء المهجرين لمظاهرالزندقة والتدين المُسَيس. رؤا المخرج من إبتلاءات الزمان القاهر تتلخص مخارج المهجرين في تعضيد التنادي تحت شِعَار\" الرجوع لإعادة حلفا النيل لسيرتها الأولي\" مع إستصحاب دعوة مُلاك أراضي المهجر أهالي شرقنا الحبيب للتكاتف مع المُستَضافين بينكم لإعادتكم أملاكهم،، هذه أراضيكم مَردودة إليكم بعد تعميرها، وهكذا ديدن سبط الحضارات، رسل للتعميرِوللتحسينِ وللتطويرِ أينما كانوا وحلوا. فالنتفاكر في أمرنا لكم أجزل الشكر والمودة،، والله المُستَعان. Mahjoub Baba email: [email protected]