زمان مثل هذا الشهر الأكرم الصادق الشريف والكريمُ من الرجال هو الذي يعطي.. فينتظر الناس راجين عطاءه.. (وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ/ عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ/ وَمَنْ يُعطي لا يُذْمَمْ وَمَنْ يُهْدَ قَلْبُهُ/ إلَى مُطْمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ). والكريمُ من الرجال هو أيضاً الصفوح.. الذي ينتظر الناس صفحه وحلمه (كِرَامٍ فَلاَ ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ/ وَلا الجَارِمُ الجَانِي عَلَيْهِمْ بِمُسْلَمِ). ورمضان يُعطي.. فينتظر الناس عطاءه.. من عامٍ لعام.. ولا يعرف قيمةُ الكريمِ إلا الكرامُ.. ولا يعرف قيمةُ رمضان إلا الأكرمون.. لذا يختلف الناس في الاحتفاء به.. كلٌّ حسب كرمه. وأول عطاء هذا الشهر الكريم هو تلك الشحنة الإيمانية التي يمدُّ بها النفوس.. فنفس الفتى قبل رمضان.. ليست مثلها في رمضان. ولعلّ استدراج العذر للإنسان ههنا أجمل وأزكى.. فنقول إنّ الإنسان مغويُّ بالشيطان.. ففي غير رمضان يتعرض المسلم لمردة الجنِّ والشياطين والوساوسة.. وهم مطلوقوا السراح. قليلون فقط هم الذين يستطيعون المقاومة.. وهم أولئك الذين أظلهم الله تحت راية (العباد) في الآية الكريمة (إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان). أمّا في رمضان.. فإنّ الوساوسة والمردة يُصفدون.. فتجدُ النفس براحاً من الأزّ فلا تؤزّهم الشياطين أزاً.. فيفرغون للعبادة وإنتاج الخير.. فرمضان يعطي تلك الشحنة الإيمانية. رمضانُ أيضاً يُعطي الصحة.. ففي الإمساك عن الأكل والشرب راحة للمعدة والإمعاء من عملٍ متصلٍ لاحدى عشر شهراً.. ومن صام فجرَّب فصحَّ. ورمضان يُعطي الإرادة.. ولو حاول الإنسانُ تقوية إرادته في غير رمضان فلن يجد غير سبيلين.. الصيامُ والقيام.. ولأنّه لا رقيب على الصيام إلا الله.. لذا تسمو الروح فتقوى الإرادة بطاعة الله في شهر الله. ورمضانُ يُعطي الصبر.. يمنحك القوة التي تصبر بها.. والصبر أهمّ (أداة) من (أدوات) الحياة.. بها يعافر المرء المصائب.. وبها يقي أهله ونفسه شر التهلكة في حالي الفقر والغنى. ورمضانُ يعطي الفقراء.. أولئك الذين ينامون مثلما تنام الطير.. ليس لديها إلاّ ما في بطونها.. فتغدو صباحاً وتترزق من خزائن الله التي لا تنفد.. ورمضانُ يلين قلوب الأغنياء.. فتلينُ قلوبهم وجيوبهم وخزائنهم.. فتنفح الفقراء ببركة يرجونها في الدُنيا والآخرة. اقرأ الصحف إذن.. أواستمع للإذاعات.. كم من جهة أعلنت عن نيتها التوسيع على الفقراء في هذا الشهر؟؟.. وكم من جهةٍ دفعت أموالاً عن نفسٍ طيبةٍ لموائد المعوزين؟؟. وأحسب.. كم إسرة كانت جائعة قبل رمضان.. فشبعت فيه؟؟.. وكم من عائلة كانت ظمئة قبل حلول الشهر الكريم.. فروِيتْ فيه؟؟. ورمضانُ يعطي المغفرة.. ففي كلِّ ليلةٍ من لياليه يعتِقُ اللهُ الحليمُ آلافاً من عباده من النار ويُحرِّمها عليهم.. حتى إذا جاء آخره.. إعتق الله الأكرم مثلما أعتق في كلّ ما مضى من لياليه. ورمضانُ يُطيلُ العمر.. وهذا كلامٌ طويلٌ ويطولُ.. نعرض له في الجمعة القادمة بإذن الله. حقاً.. رمضان كريم. ودعاءً.. رمضان كريم. التيار