[email protected] هذه الرسالة ، كنت قد بعثتها للأخ الصديق محمد عثمان سليمان ( أبو الريش) وكان قد طلب فيها بعضا منذكرياتنا في مكتب النشر، وأيام كنا نصدر مجلة الصبيان التي أغتيلت غدرا ، في زمن ( الإنقاذ) وهي اول مجلة أطفال في العالم العربي والإسلامي ، وقد رايت نشره هنا لما يحتوي عليه من حقائق غابت عن الجيل الحالي ، وما به من سرد طريف لجانب من جوانب التعليم في السودان . ----- الأخ العزيز / محمد عثمان سليمان سلام وشوق . كنت قد وعدتك فى العام الماضى أن آتى لك ببعض ما كتب فى السودان قديما فى أدب الأطفال ... وكانت مصادرى المتوقعة هى إرشيفى المتواضع وإرشيف مجلة الصبيان .. وقد كانت مكتبة دار النشر التربوى ( مكتب النشر ) تحوى إعداد من محلة الصبيان منذ عام 1946 ، العام الذى صدرت فيه لأول مرة ، وحينما كنا نعمل رسامين فى المجلة فى السبعينات والثمانينات علمنا أن أحد صغار الموظفين المظلومين فى ( الترقيات ) وإسمه موريس ، قد قام بإحراق المكتبة إنتقاما من رؤسائه ... فحكم بالإعدام على مجلدات الصبيان للأعوام الأولى فتبقت لنا مجلدات الخمسينات وكنا حريصين على المحافظة عليها ... وأذكر ان زوجة الرئيس الأسبق نميرى ، قد طلبت أن تستلف مجلدا من مجلدات الخمسينات ، لتستعيد ذكرى قراءتها وذكرى طفولتها ، فقامت إدارة المكتب بإرسال أحد المجلدات أو أكثر ، إلى القصر ... ثم قامت ثورة أبريل ، ولم تعد المجلدات ، حسب علمى ، إلى دار النشر التربوى حتى الآن .... وتمّت وزارة التربية لحكومة (الإنقاذ ) الناقصة ، حينما أوقفت مجلة الصبيان عن الصدور نهائيا ... فحكمت على أول مجلة أطفال فى العالم العربى بالإعدام ... وقد حدثتكم عن الأسى الذى وجدت عليه الأخ الفنان الرسام والأب الروحى لمجلة الصبيان ،الأستاذ شرحبيل أحمد ، والحزن و(المغسة) التى أصابته وهو يحكى لى ، فى إجازتى التى زارنى فيها ،عن مقتل مجلة الصبيان وهو يكاد يذرف الدموع .... وضاعت المكتبة التى كانت فى حوزة مكتب النشر... بعد نقل المكتب إلى غرفة قديمة من بقايا الوزارة القديمة ...ومن المعروف أن مبنى فاخرا قد أنشا و قد ضم الوزير وباقى أقسام الوزارة ، ماعدا مكاتب دار النشر ومجلة الصبيان ، الذين تم رميهم فى ركن قصى من المبنى القديم ... وجردوا من مكتبتهم والتى أرجو أن تكون دار الوثائق قد تمكنت من الحصول عليها و احتفظت بالمجلدات ، ولكنى أستبعد هذا الأمر ، لأننى زرت دار الوثائق ، بحثا عن قصة قصيرة ، كنت فد كتبتها فى ( الرأى العام الأسبوعى ) فى عام 1968 ولم أستلمها حتى الآن وقد لا حظت أن دار الوثائق لم تنتقل إلى بنايتها الجديدة حتى إجازتى فى يو ليو الماضى .... و الله يكضب الشينة ويكونو جابو الصبيان من وزارة التربية ... للأسف كنت حريصا على جمع بعض أشعار الأطفال وقصص وأهازيج من إرشيفى ولكنننى إكتشفت أن كل ما كنت أحتفظ به داخل كراتين فى منزلنا القديم قد أضرمت فيه النيران لإشعال الفحم أيام أزمة الجا زفى السبعينات، إحدى قريباتنا .. وإنتهت إلى غير رجعة أعداد لمجلة الصبيلن منذ الخمسينات بالإضافة لمجلات أخرى سودانية وغيرها ومنها مجاة للأطفال أسمها ( على بابا) كانت تصدرها دار آخر ساعة المصرية . وعلى أى حال سوف أبعث لك ما وجدته الآن ( كتصبيرة) وهو أشعار سبل كسب العيش فى السودان ، المقرر للمرحلة الإيتدائية منذ الخمسينات وحتى بداية السبعينات . الأخ محمد عثمان ..... سلام سلام ابعث لك بعض ما وعدتك به وهو قصيدة ( أصدقائى فى السودان ) وهى تقع فى الصفحات الأخيرة من كتاب ( سبل كسب العيش فى السودان ) المقرر على المدارس الأولية أو الإبتدائية كما سميت لاحقا ، والقصائد والكتاب من وضع المربى : المرحوم الأستاذ : عبد الرحمن على طه وقد قام ومعه فريق من المعلمين لزيارة المناطق المذكورة وكتبوا القصيدة من واقع المناطق التى زاروها مع ذكر الأسماء الحقيقية للأشخاص المذكورين ، كنماذج لسكان مناطق السودان المختلفة ... وذلك لإعطاء التلميذ فكرة واضحة عن كيفية كسب المواطن السودان لعيشه فى مختلف أنحاء السودان وهذه الدروس جزء من دروس الجغرافيا ... نتتهج نهجا محببا للتلميذ يعتمد ، فيما يعتمد على الشعر والألحان لترسيخ المعلومات الضرورية ... --------------------------------------------------------------- .أصدر الكتاب : مكتب النشر _ الخرطوم وزارة المعارف السودانية الطابعون : دار المعارف بمصر الطبعة الأولى : 1941 الطبغة الثانية : 1950 الطبعة الثالثة : 1957 الطبعة الرابعة المنقحة : 1961 وبعد ذلك صدرت طبعتان على ما أعتقد ، كان لى شرف عمل الرسوم التوضيحية لإحداها فى عام 1971 عند إلتحاقى بالعمل كرسام فى مكتبب النشر وأعتمدت فيها على الرسوم المتقنه للرسام الإنجليزى ، رسام الطبعة الأولى وإلى القصيدة : فى القولد إلتقيت بالصديق أهلا به من فاضل صديقى خرجت أمشى معه فى الساقية ويالها من ذكريات باقية فكم أكلت معه( الكابيد ) وكم سمعت : أور وو ألود * * * ودعته والأهل والعشيرة ثم قصدت من هناك ريرة نزلتها والقرشى مضيفى وكان ذاك فى أوان الصيف وجدته يسقى جموع الإبل من ماء بئر جره بالعجل * * * ومن هناك قمت للجفيل ذات الهشاب النضر الجميل وكان سفرى وقت الحصاد فسرت مع رفيقى للبلاد ومر بى فيها سليمان على مختلف المحصول بالحب إمتلأ * * * ومرة بارحت دا ر أهلى لكى أزور صاحبى ابن الفضل ألفيته وأهله قد رحلوا من كيلك وفى الفضاء نزلوا فى بقعة تسمى بابنوسة حيث اتقوا ذبابة تعيسة * * * مازلت فى رحلاتى السعيدة حتى وصلت يامبيو البعيدة منطقة غزيرة الأشجار لما بها من كثرة الأمطار قدم لى منقو طعام البفرة وهو لذيذ كطعام الكسرة * * * وبعدها استمر بى رحيلى حتى نزلت فى محمد قول وجدت فيها صاحبى حاج طاهر وهو فتى بفن الصيد ماهر ذهبت معه مرة للبحر وذقت ماء لا كماء النهر * * * رحلت من قول لودسلفاب لألتقى بسابع الأصحاب وصلته والقطن فى الحقل نضر يروى من الخزان لا من المطر أعجبنى من أحمد التفكير فى كل مايقوله الخبير * * * ولست أنسى بلدة أم درمان ومابها من كثرة السكان إذ مر بى إدريس فى المدينة ويالها من فرصة ثمينة شاهدت أكداسا من البضائع وزمرا من مشتر وبائع * * * وآخر الرحلات كانت أتبرة حيث ركبت من هناك القاطرة سرت بها فى سفر سعيد وكان سائقى عبد الحميد أعجبت من تنفيذة الأوامر بدقة ليسلم المسافر * * * كل له فى عيشه طريقة ما كنت عنها أعرف الحقيقة لا شك أن فى بلادى مايستحق الدرس باجتهاد فابشر إذا ياوطنى المفدى بالسعى منى كى تنال المجدا ___________________________ بقى أن أقول ، أخى محمد عثما ن ، أن هذه القصيدة تثير فى نفسى ذكريات جميلة من من أيام الطفولة والمدرسة الأولية ،غير أن البيت القائل ( رأيته يسقى جموع الإبل من ماء بئر جره بالعجل ) قد كان يثير فى نفسى شىء من الحزن لا أدرى له سببا .... إلى أن صرّحت لى بخواطرها يوما ، زوجتى، الأستاذة جواهر عبد الرحيم ، التى لها علاقة قوية بهذه المادة بحكم تدريسها للجغرافيا المحلية فى السودان ، أن هذا البيت يثير فى نفسها الإشفاق على هذا العجل المسكين الذى يسقى كل هذه الجموع من الإبل وهو يقوم طوال يومه بسحب الدلو من البئر لمسافة طويلة ، من أجل أن تسقى هذه الإبل العطشى ...كم من التعب ياترى يصيب هذا العجل المسكين أما لهؤلاء القوم من مروءة ؟ ... فعرفت سر حزنى يومها ... وعلى أى حال ... هذه هى سبل كسب العيش فى السودان الواقعية فى ذلك الوقت .... ونحن نرثى الآن لإنعدام المروءة لأولى الأمر من الحكام ، حينما يتركون هؤلاء القرويون ، فى أنحاء السودان المختلفة نهبا للفقر والجوع فى عصر ، من أوجب واجباته ، أن يجد الإنسان حظه من العيش الكريم و التطور الطبيعى والنمو المتوازى .... أولئك القرويون الذن لم يكونوا يحتاجون للحكومات إلا قليلا ، وكانوا سعداء بما تنتجه أيديهم من الرزق ، إلا أن هبت عليهم هجمة الحكومات الجائرة تستقطع من رزقهم القليل ، تارة بإسم الزكاة أو الضرائب أو مسميات إبتدعت فى عصر صار فيه السطو على المستضعفين ، يتم قانونيا ، وبإسم الشريعة الإسلامية . وأتركك فى رعاية الله خلف الله عبود الشريف 15/9/2005