أفق بعيد فيصل محمد صالح [email protected] حول سودانية نتنياهو تطور تقنيات الاتصال الحديثة نعمة كبيرة للبشرية، لكنها يمكن أن تتحول إلى نقمة عندما يساء استعمالها، أو يساء فهمها، ومن ذلك تداول ونقل المعلومات عبر الوسائل المختلفة وسرعة انتشارها، دون أن يتم التأكد من صحة هذه المعلومات. استخدام الشبكة العنكبوتية الدولية \"الانترنت\" وسع فضاءات العالم، إذ لم تعد تحده الحدود المعروفة سابقا من بحار وجبال ومحيطات، لكنه انطلق إلى الفضاء الإسفيري الواسع، ووحد في لحظات بين ساكن ناطحات السحاب في نيويورك، وقاطني الأكواخ في أطراف المدن الآسيوية أو اللاتينية والمنطلقين في فضاءات الغابات الإفريقية. وأخطر ما في ثورة الاتصالات أنها هزمت نخبوية الكتابة وأزاحتها إلى النسيان، بوسع أي شخص أن يكتب أي شيء، وأن يقرأه الناس في كل العالم، وكل ذلك بتكاليف زهيدة. ولكن هذه السهولة في الكتابة، دون تدقيق ومراجعة، ودون رقيب ومسؤول تحرير، يجب أن تؤخذ بحذر من أجهزة الإعلام الجماهيرية، التي تراعي مزاج جمهور المشاهدين والقراء، ولا تكتفي بمزاج الكاتب فقط. ويفترض بها التدقيق فيما تنقله من معلومات للجمهور، والرجوع لمصادره الأولية، دون أن تكتفي بنسبته ل\"الانترنت\"، فهو ليس مصدرا في حد ذاته، لكنه الفضاء الذي يحتوي الجميع. تتداول صحفنا منذ أيام أن القناة الثانية للتليفزيون الإسرائيلي- أذاعت تقريرا يفيد باكتشاف أن رئيس وزراء اسرائيل من أصل سوداني، وتناقلت الصحف السودانية والعربية كلها، وبلا استثناء، الخبر من مصدر واحد، لم أعرفه تحديدا حتى الآن، فقد تفرق دم الخبر بين القبائل. وبالخبر أخطاء ومغالطات ظاهرة وواضحة، مثل ربط هجرة عائلة نتنياهو للسودان في مطلع السبعينات بتحريم نميري للخمور، وهو ما لم يحدث حتى سبتمبر 1983. شيء ثان لفتني في صياغة الخبر، والغريب أني وجدته في النسختين العربية والإنجليزية منه، حيث يبدأ الخبر بالإشارة للقناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي، لكنه في فقرة تالية يبدأ بلازمة\" وأشارت الصحيفة إلى أن نتيناهو....\"، ولم تكن هناك إشارة سابقة لأية صحيفة، بل المصدر الوحيد هو القناة الثانية. وقد وجدت هذا الخطأ بنصه في كل الأخبار التي نشرتها الصحف السودانية والعربية التي اعتمدت كلها على مصدر واحد، ثم وجدته في الأخبار الإنجليزية التي ترجمت عن الأصل العربي. المهم أني، وبدلا من الدخول في تفاصيل الخبر بدأت بسؤال أساسي: هل صحيح أن هذا التقرير أذاعه التليفزيون الإسرائيلي- القناة الثانية\"، وبعد بحث دؤوب لم أجد تأكيدا لهذا الأمر، فالموقع الرئيسي للقناة الإسرائيلية باللغة العبرية، والمقتطفات القليلة بالإنجليزية والعربية لا تعطيك جوابا أكيدا، وليس فيها إشارة للأمر، ولم تتناوله وكالات الأنباء الدولية المحترمة نقلا عن التليفزيون الإسرائيلي. أمسكت بخيط ثان هو صحيفة \"هاريتز\" الإسرائيلية التي تصدر بالإنجليزية، ومن المؤكد أنها ستهتم بالأمر لو أشارت إليه قناة اسرائيلية، لكن كل نتائج البحث لمدة أسبوع جاءت سلبية. اتركوا التفاصيل وأين تقع حلوف، وهل كان اسمه شاؤول أم نتينايهو أم خضر، هل أذاعت القناة الثانية من التليفزيون الاسرائيلي تقريرا بهذا الشأن؟ لا أحد يعلم، لهذا أظن أن علينا أداء واجب منزلي عاجل وسريع قبل نشر الأخبار للجمهور، أقله إرجاع الخبر لمصادره الأولية قبل نشره. الاخبار