د. إسماعيل صديق عثمان [email protected] تسافر الأفواج هذه الأيام إلى أول بيت وضع للناس ليقفوا أياماً معدودة في جوار الله سائرين إلى ربهم بالثوب الأبيض ( الاحرام )،الذي سيلقونه فيه مؤدين فرضاً فرضه الله على جميع المسلمين المستطيعين ليأتوا إليه وقد خلعوا لباس العبودية لغيره جل وعلا، وقد حققوا الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله ) مرددين .. (لبيك اللهم لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك)، وقد قيل: ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج، ولذلك ينبغي على حاج بيت الله تجريد المقاصد وإخلاص النية واغتنام الفرصة وليكون مع الحجيج؛ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال. ينبذ الدنيا بمالها وشرفها وحسبها وسلطتها ويتجرد عنها ويتذكر فقط أنه قادم لله جل وعلا ؛وللطواف حول بيته وإن سفره ليس لكسب دنيوي ولا لتحصيل لمال، وليتذكر الحاج أنه عندما يقول (لبيك) فذلك يعني: إنك دعوتني يا رب وأنا أجبت، فلا يصدرن منه عمل أو قول يجيبه الله تعالى به: لا لن أقبل تلبيتك، وليتذكر الحاج أنها فرصة ذهبية أتاها الله له وقد لا تتكرر وإن غيره يتحرق شوقاً لها وما أكثرهم ولذلك فليستثمرها ولعلها تكون حجة الوداع، ولا ينسى أن يدعو لنفسه ولأسرته ولوطنه في المواقف الشريفة بل لا ينسى أن يدعو لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويتضرع لله أن يجمع كلمتهم وأن يرفع عنهم الظلم وأن ينصر مجاهديهم ويحرر بلاد المسلمين، فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) وكان حقاً على الكريم أن يكرم زائره، فكيف بمضيف دعى فأجاب؟! ولنجعل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج نصب أعيننا ونعمل بها مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (الحاج: الأشعث التفل) وهو الذي فرغ قلبه مستغرقاً في عبادة الله وقوله في الحديث الصحيح: (من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) ونهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم في رفع الصوت بالتلبية فقد ثبت أنه قال: (أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية) .. وعموماً أقبل على الحج أيها الحاج واستلم الحجر الأسود وقبله مبايعة على طاعة الله عز وجل والزم مقام إبراهيم واسع بين الصفا والمروة وأرم الجمار وقف في جبل الرحمة ولا تنسى إنك ستعود كيوم ولدتك أمك والعودة للميلاد يعني أن صفحة بيضاء ناصعة قد فتحت وينبغي أن لا تسودها بإثم وأن تقلع عن كل محرم وتترك كل مخالفة ولكم أخيراً معاشر الحجاج الدعاء بأن يتقبل الله منكم – وإن كنا ننتظر دعاءكم – وللذين تكاد تنفطر قلوبهم شوقاً للوصول إلى الأرض المقدسة ندعو الله أن ينعم عليهم وعلينا بنعمة الحج. قال تعالى: (وأذن في الناس بالحج) مخاطباً خليله إبراهيم عليه السلام فقال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ .. فلنؤذن جميعاً لنصرة الدين . وكل عام وأنتم بخير .