د. عبد اللطيف البوني [email protected] في صباح هذا اليوم من عام 1958 كان الشاب الفنان (الجديد) محمد وردي القادم لتوه من الشمال راكبا دراجته في طريقه الي مدرسة الديم الاولية بالخرطوم حيث كان يعمل مدرسا فقابله احد (بلدياته) واخبره ان الجيش قد اطاح بالحكومة الحزبية واستلم السلطة ويبدو ان ذلك المخبر كان سعيدا بهذا الحدث فانتقلت سعادته لوردي ربما كان في ذهن وردي انقلاب جمال عبد الناصر فانفعل بالتغيير او ربما كان متلهف للانتشار والشهرة فمن لحظته الف قصيدة ولحنها قبل ان يدخل مدرسته ومن ابياتها ومن غير ترتيب في 17 هب الشعب طرد جلاده في 17 قالوا الظلم الله لاعاده في 17 بعثت ثورة ثورتنا السلمية هلل شعبي وكبر ليوم الحرية لقد احتكم وردي لفطرته فغنى اول واجمل اغنية لنظام عبود فخلده في الذاكره الشعبية ولكن دارت الايام فقام عبود بترحيل اهالي حلفا من اجل عيون عبد الناصر ثم وقفت الاحزاب موقفا معاديا من عبود فانقلب وردي على عبود وكان اكثر الفنانين غناء لثورة اكتوبر التي اطاحت بعبود قدم لها اجمل الالحان من امجد الشعراء مثل محمد المكي ابراهيم (باسمك الشعب انتصر وحائط السجن انكسر) ومحمد الفيتوري (اصبح الصبح ولاالسجن ولا السجان باق) وعلي عبد القيوم وغيرهم ثم صادر النميري اكتوبر فغنى له وردي (ياحارسنا وفارسنا يابيتنا ومدارسنا ) من كلمات محجوب شريف في مقابلة تلفزيونية مع وردي قلت له انك قدمت اجمل الاغاني السياسية في تاريخ السودان ولااظن انك متناقض في مواقفك فانت مع التغيير لذلك غنيت له وانك ساعة تقديم تلك الاغاني كنت صادقا مع نفسك فان ينحرف الذي قام بالتغيير او تتدخل ملابسات اخرى فهذة ليست مسؤليتك عليه فانني ارى ان تطلق سراح تلك الاغاني الجميلة لانها اصبحت تؤرخ لاحداث هامة وتعكس انفعالا فنيا بالحدث السياسي في البلاد فرفض كلامي وقال انه نادم عليها ولن يغنيها لانه ضلل الشعب السوداني وكانت تلك (شمطة) على الهواء كبيرة بيني وبين وردي . في رمضان الاخير في حلقة مع حسين خوجلي قال وردي انه راض عن كل الاعمال الفنية السياسية التي قدمها وانها اصبحت جزء من التاريخ لذلك فهو فخور بها . كم اسعدني قول وردي هذا واتمنى عليه ان يخصص ليلة غنائية سياسية يغني فيها كل اعماله هذة ليقف الشعب على تلك الاشعار الاشعار التاريخية والالحان الرائعة ثم بعد ذلك يحكم للانظمة المتعاقبة او عليها انني اراهن ان الذين سوف يحضرون تلك الحفلة –اذا اقيمت- سوف يطالبون ان يغني وردي لهم اغنية في 17 نوفمبر اكثر من مرة للحنها الرائع وكلماتها البسيطة المعبرة وبعدها ستكون ياحارسنا وفارسنا ذات اللحن الاسر الشجي من حيث الطلب وستكون الثالثة في العشرة الاوائل (التوب تن) (اليوم نرفع راية استقلالنا) ثم يهيج الحضور مع اصبح الصبح ويصفق من الاعماق عندما يقول وردي (القيود انسدلت جدلة عرس في الايادي) حفظك الله ابو الورود وامد في ايامك لتتغنى بامال واحباطات هذا الشعب فالفنان الصادق هو المراة التي يرى فيها الشعب نفسه