أمريكا وجزرة التكتيك لترويض أنظمة الكيزان ! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] لاشك أن الكثيرين قد عقدوا حاجب الدهشة ازاء التحول الدراماتيكي للادارة الأمريكية ، وتوزيعها البسمات تجاه نظام الكيزان في الخرطوم وارسال تقطيبة وجه حازمة لحكومة جوبا التي طالما لاقت من دلال واشنطن الكثير ! فما هو سر هذه النقلة النوعية الناعمة في موقف حكومة امريكا وهي التي كم لوحت بعصاها مقدمة على جزرة تعاطيها مع نظام كانت تضعه في قائمة الدول الراعية للارهاب ، وفرضت عليه عقوبات اقتصادية وعسكرية بل ودعمت من طرف غير خفي قرار ملاحقة المحكمة الجنائية لرئيسه وضغطت عليه حتي استجاب لتقديم تنازلات افضت الى قيام دولة موازية في شطر الوطن الجنوبي ، جعلت ذات النظام التي تغازله عظيمة العالم متسولا بقرعة فقدانه لثلثي دم شرايينه الاقتصادية! طبعا السياسة الامريكية بين الفترة والأخرى ، تخضع للمراجعات المدروسة بواسطة راسمي تلك السياسة التي تبني دعائمها المرحلية على مردود المصالح لامريكا بمطلقها وليس الحزب الحاكم فيها خلال المرحلة المعينة ! الآن المشهد في منطقتنا العامرة بالثورات وهي ترسم بوضوح معالم ديمقراطيتها الوليدة، وتحرز تقدما جليا للتيارات الاسلامية التي التقطت قفاز البراجماتية في دغدغة مزدوجة للحس الديني المتأصل لدى انسان الاقليم وتوقه في ذات الوقت بتحفظ ليبرالي لحرية الدولة المدنية مابعد زوال الانظمة الديكتاتورية الهالكة و المحسوبة على الخط السياسي الأقرب ميلا الى العلمانية ! فامريكا التي ترقب ذلك المشهد بعين الرضاء الحذرعلى مضض وكارهة قبوله في مقابل تمدد التمرد الايراني والحمساوي ، المتصل بحزب الله ونظام الأسد المترنح ، تجد نفسها وبذكاء تكتيكي وليس استراتجي مرغمة على التظاهر هزا برأسها و قبولالصعود تيارات الاسلام السياسي المعتدلة في ظاهر برامجها عبر مناطق الربيع العربي ، بغرض ترويضها ووضعها اختبارا في المحك الصعب عساه يثبت لها أن العوم في البر ليس كالدخول في لجج بحار الحكم ! ولكون نظام الخرطوم رغم تظاهره بمناكفتها في هتافاته الميدانية والجهادية البالونية المعلنة اعلاميا، ولكنه في ذات الوقت يهز ذيله تحت طاولة موائدها ، فانه يظل أسهل الحلقات التي يمكن قرنها في سلسة مفاتيح المرحلة المرتبطة بانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة ، ترحيلا لموقف واشنطن حيال نظام الانقاذ ولو مؤقتا! استغلالا للهفة نظامنا الحاكم على استمرار وجوده وسط عواصف الربيع التي تدور من حوله ، وعشما في تأجيل تنفيذ مذكرة القبض على الرئيس البشير! وبا عتباره أيضا من حيث التصنيف الأمريكي نظاما اسلاميا مخضرما ، تكمن اهمية وجوده في توهمه لدور الريادة والقدوة السابقة لذلك الموسم الثوري الشعبي الذي لا زال يلف الاقليم ، وان اختلفت متون عبوره الى السلطة عن النظم التي تمخض عنها الربيع العربي هنا وهناك ! بما يجعل أمريكا مضطرة للحفاظ عليه والقبول والتعاطي معه وبسقفه الديمقراطي الحالي ، لان استعدائه ، قد يجلب شيئا من تعاطف محيطه القريب المحسوب عليه ايدلوجيا، في شكله الجديد التي افرزته استحقاقات تونس ومصر الأخيرة أوباعتبار ماسيكون في ليبيا التي يزعم نظامنا انه كان مساعد بناء لأسطوات الناتو في عملية تشييد نظامها الجديد، الذي قام على انقاض قلعة الجماهيرية القذافية الآفلة ! وبعد أن تيقنت امريكا من عدم انسجام رؤية المعارضة السودانية لكيفية اسقاط النظام ، وقد تباينت خطوط حالة فصامها ، بين مدنية تميل الى المهادنة من خلف ابواب المشاركة في لبوس مختلفة ، رغم تظاهر بعض رموزها التقلدية الهرمة بالدعوة الى وجوب اسقاط النظام عبر الجهاد المدني ، وبين معارضة مسلحة تسعى الى اختزال طريق اسقاط النظام عبر البندقية ، في حالة تأخر الثورة الشعبية ، تاثرا بتداعيات حركة شوارع المنطقة المشتعلة . ولعل ذلك التباين قد بدأ جليا عقب زيارة السيد الصادق المهدي لامريكا الأخيرة ، والتي تخللها ما يشبه الدعم لموقفه المعلن في ذلك الشأن دعما لوجهة نظره من طرف أمريكا في مواجهة التحفظ على موقف الضفة الأخري من المعارضة المسلحة التي لاتخلو من شبهة الدعم الجنوبي من وجهة نظر نظام الخرطوم ،و قد عبرت عنها امريكا بالرفض المبطن لتطور تلك الصلة في توافق تراجعها أو صمتها الفجائي مع كل تلك المستجدات رغم ضجتها قبلا حول انتهاكات وتجاوزات عدائة جوية لمعسكرات النازحين في الجنوب ، نسبتها الى نظام الخرطوم قبل تصاعد لهجتها في مهادنته الأخيرة ، التي يبدو انها كانت صادمة لحكومة الجنوب والمعارضة الشمالية المتبناة من قبلها حسب وصم نظام الخرطوم لها بتلك الصفة ! الا انه لا يستبعد أن تكون حكومة الجنوب على علم بالخطة الامريكية لترويض نظام الكيزان في الشمال ، ضمن الخطوة الرامية الى عدم استعداء الشعور العاطفي لورقة الناخب في المنطقة التي ربما سحرتها شعارات الاسلام هو الحل وفق رؤية حديثة حاولت تلك الجماعات التجمل بها للركوب على موجتها مرحليا لا صدقا ! أو ضعف و خضوع ارادة شارع الربيع خلال الحملات الانتخابية لتاثير وترغيب تلك الجماعات الكيزانية التي ملكت امكانات التمكين! وهنا يكمن مربط الفرس الأمريكي الحويط الذي قد لا يستكين لذلك المربط طويلا ، وقد تنتابه موجة جموح ، تجعله يتقلب تبعا لرياح مصالحه ، فيخيب ظن الذين هللوا في سذاجة لموقف واشنطن التكتيكي بمد جزرة الرضاء باليد اليمني ، وهم لايرون لقصر نظرهم اليد اليسرى وهي تخبيء ، خلف الظهر عصا المأرب الآخرى ! والله ، المستعان.. ..وهو من وراء القصد.