سقوط البرقع وسفور القبح!! تيسير حسن إدريس [email protected] ما تزال منذ عقدين تتساقط البراقع والأقنعة الواحدة تلو الأخرى عن وجه النظام الحاكم لتسفر في نهاية الأمر عن حقيقة النظام الثيوقراطي الذي سطا على الدولة السودانية واستولى بالليل على السلطة بقوة السلاح مزينا فعلته النكراء بشعارات براقة استغل فيها الدِّين الحنيف وبساطة شعب السودان الصديق أسوأ استغلال في غياب النخب المستنيرة الجادة واغتراب خطابها التنويري وعجز برامجها التوعوية لتجد قوى الظلام فراغا ومرتعا خصبا لخطابها الضال وبرامجها المدمرة وتعيث خرابا في العقول الخاوية وتنخر لب القيم والمبادئ الأخلاقية العليا التي ارتكز عليها استقرار المجتمع السوداني وتقوم من بعد ذلك بتبديد ثروات البلاد ومقدرات الدولة على أحلام (زلوط) في بناء إمارة بني أمية من جديد بعد أن سقطت نهائيا منذ قرون بالأندلس. تمثل تصريحات رئيس برلمان (الإنقاذ) الأخيرة بأنه (لا يخشى الشعب ولا يخاف غضبته) ذروة مراحل سفور الوجه الثيوقراطي للنظام الحاكم وتأتي في اتساق تام مع التدرج التاريخي لمراحل النظم الدينية الاستبدادية والأمثلة تفيض بها كتب التاريخ لذا أجد نفسي مندهشا من إندهاش من تناولوها في عجب من محللين وكتاب رأي وقد كان المنطق والعقل يفرض حضور الدهشة لو أن كبير نواب الشعب الإنقاذي قد صرح بغير الذي صدر منه وانحاز في تصريحه للشعب والجماهير الذي يدعي نظامه وحزبه في كل حين أنها فوضته وحملته إلى سدة العرش حاكما مطلقا متحكما على جميع سلطاتها التنفيذية والتشريعية والعدلية عبر انتخابات نزيهة وديمقراطية!! لكن الرجل أبى إلا أن يكون صادقا مع نفسه وفكره ونهجه التنظيمي ولم يشذ عن أقرأنه في جوقة الإنقاذ الذين ما فتئوا يتحفون آذان الجماهير في كل خطاب أو تصريح جديد بمفردة مستفزة وصادمة حتى غدا لهم قاموس سياسي خاص غير ذاك الذي عرفه واعتاده أهل بلادي يعد من أعظم إنجازاتهم العبقرية (قاموس البذاءات الإنقاذية). وإن كان لتصريح الرجل من فائدة تذكر غير الأذى الجسيم الذي أحدثه في ضمير الأمة فأنه قد أثبت بما لا يدع للشك أن الانتخابات الأخيرة التي ادعوا أنها نزيهة وشفافة كانت (مخجوجة خج السواد والرماد) لذلك نجد مولانا كبير النواب مطمئنا لموقفه وعلى قناعة جازمة من أن الذي حمله للموقع الرفيع لم تكن الجماهير المفترى عليها بل هي فهلوة نظامه العضود وأساليبه الملتوية وخبرته التي لا تضاهى في التزوير فلماذا عليه أذن أن يخشى الجماهير ويهاب الشعب؟! لقد كان مولانا في لحظة تجلي صادقا وجادا فيما ذهب إليه وصرح به فعلام الدهشة والعجب؟!! وبنظرة عابرة لتصريحات أقطاب هذا النظام وقاموسه الغريب الذي حشره حشرا في حياتنا السياسية يعرف السبب الذي دفع كبير نواب الشعب للتفوه بما جرى على لسانه من هراء وإذا عرف السبب بطل العجب وغادرت الذاكرة الخربة علامات الدهشة وحلت مكانها آهات الآسي وزفرات الامتعاض من صبر الشعب الذي امتد عقدين من الصمت المذل وأفضى لوصول الصحابة الجدد لذروة سنام التجبر الثيوقراطي متدرجين على مهل في مراحل الاستبداد والدكتاتورية بينما الجماهير والقوى المعارضة منقسمة على نفسها بين مراقب بائس مجرد من فعل الإيجاب ونائح أخرق يلطم الخدود ويشق الجيوب والوطن يحتضر دون تحريك ساكن. ولا أدري فيما الدهشة والعجب من تلكم التصريحات؟!! وماذا كان الشعب والنخب تنتظر من نظام بدأ مسيرة حكمه بكذبة بلغاء ثم شرع مباشرة بتشريد كل من خالفه النهج الأعرج فقطع الرقاب والأرزاق وأذل الشرفاء في (بيوت الأشباح) وإقصاء كافة القوى الوطنية بدعاوي (التمكين) لصحابته الجدد وإرساء دعائم الدولة الرسالية!! ممهدا لكل ذلك بخطاب صادم ومستفز وإعلام كاذب ومضل، بل ماذا تنتظر الأمة من فكر يكفرها ويتهمها بالجاهلية ومعتنقيه على قناعة راسخة بأنهم ورثة الحق الإلهي ووحدهم الجديرين بالاستخلاف والتمتع بمطايب الحياة الدنيا من مال وبنين ومطايا مثنى وثلاث وليذهب من بعد ذلك الشعب والوطن والأمة للجحيم. لو تمعن المتعجبون من تصريحات مولانا الأخيرة لهنيهة ما ولج الخطاب السياسي في هذا العهد المشؤوم من مفردات (قطع الرقاب والأعناق ولحس الكوع وديل سجمانيين وتحت جزمتي) أو تأملوا في كلمات (أنشودة الدماء) التي زينوا بها في بواكير عهدهم صباحات الوطن الحزين (فلترق منهم دماء أو ترق منا الدماء أو ترق كل الدماء) لما عرف العجب طريقه إلي العقول ولما تمتعوا لحظة (بالدهشة) ... -الدهشة التي ألجمت فعل التغيير سنين عدده- فتصريح مولانا (كبير النواب) متسق مع نهج الجماعة وأدب الصحابة الجدد وهو خطاب السوء نفسه ولو اختلفت الأوجه والألسن الناطقة به (فالإناء ينضح بما فيه) والرؤية واحدة وضالة والفكر ظلامي وإقصائي (فكيف يستقيم الظل والعود أعوج)؟؟!! إن تصريح الرجل ليس أكثر من تعبير صادق عن حالة السقم السيكولوجي الذي تعانيه الجماعات السلفية نتيجة لطبيعة التربية الفكرية والتنظيمية الخاطئة القائمة على وهم الوصاية على الفرد والمجتمع بمقتضي امتلاك الحقيقة المطلقة لذلك صاح الرجل ملء شدقيه معبرا عن تلك القناعة دون وجل أو خجل (أنهم لا يخافون الشعب وقد أتوا لفعل الصواب ولو لم يعجب الشعب!!) ... سادتي اتركوا عنكم الدهشة البلهاء وتداركوا أمر الوطن يرحمكم الله. تيسير حسن إدريس 22122011م