[email protected] عقم النظام التعليمي في السودان، وعدم ثباته، وضبابية منهجه، وخضوعه لنظريات القائمين على أمره، ستكون نتيجته وخيمة على الأجيال القادمة، فالمسألة أعمق وأكبر؛ لأن نتيجتها جهل وانطواء والمحصلة النهائية إنسان سلبي في المجتمع . وكنتيجة أصبح الشباب يبحثون عن معارف ضحلة ويهدرون وقتهم في أشياء تجعل مستواهم سطحي قشري، ويفتقرون إلى القدرات الإدراكية الأساسية، مثل القدرة على التفكير النقدي والمنطقي، وتحليل الحجج، والتعلم والتذكر، ورؤية التشابهات، وتمييز الوقائع عن الآراء. سنتساءل: هل الجامعات تفتح مدارك الشباب وتزيد معارفهم وتعلمهم!! الإجابة تكمن في تفكير الجيل نفسه لدخولهم الجامعة فهو ليس تفكير من دخل ليتعلم إنما اعتبروها ميزة مجتمعية (جامعي)، إذ لا تميز واضح في أي مجال من المجالات. وتكفيك جولة في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) لتطّلع على سطحية الاهتمامات، وضعف اللغة، وركاكة الأسلوب، وضحالة الثقافة. كما أن مستوى جامعاتنا ليس كما نتمنى ونرجو .. لأن المنهج الذي اتخذته الدولة في ثورة التعليم ركز على الكمية وليس النوعية، بمعنى أن التوسع الكمي في نشر التعليم العالي على حساب نوعية التعليم وجودته .. فلم تجني غرسًا لثمارها في تنمية السودان لأن التنمية الاجتماعية والاقتصادية مرتبطة بتطوير التعليم الذي وضعت له أساساً هشاً فكانت المحصلة التلقائية هي الانهيار والفشل. ورد في تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003م والذي جاء بعنوان (نحو إقامة مجتمع المعرفة): \"إن المناهج الدراسية العربية تكرس الخضوع والطاعة والتبعية ولا تشجع التفكير النقدي الحر. فمحتوى المناهج يتجنب تحفيز التلاميذ على نقد المسلّمات الاجتماعية أو السياسية، ويقتل فيهم النزعة الاستقلالية والإبداع\".. فماذا ننتظر أن نجني من مناهج كهذه غير الاستلاب الفكري والهوية الضائعة. فصار التعليم تجارة وخطة لمستقبل اقتصادي زاهر وليس من أجل التعليم نفسه والنتيجة أن التخصصات النظرية صارت تشهد ركودًا ومن يتخصص فيها يمتهن مهنًا هامشية ظهرت في الآونة الأخيرة والأمثلة كثيرة للمهن الهامشية التي ظهرت في المجتمع السوداني المقام ليس مقام ذكرها. نتمنى تشجيع الابتعاث للخارج لكي نتحرر من وسائل تعليمنا التقليدية، فالعملية التعليمية أصبحت أكثر تطوراً ودخلت فيها الوسائل الايضاحية والالكترونية. والمواكبة تتطلب جهوداً مشتركة بين الحكومة وشبابنا ومعلمينا حتى نستفيد من هذا التطور.. فهل من مجيب؟ نتمنى أن نتأسف لجهلنا لأن (الشعور بالجهل أكبر الخطوات نحو المعرفة) وقديماً قيل: أشد عيوب المرء جهل عيوبه ولا شيء بالأقوام أذرى من الجهل.