حديث المدينة (قنبرة) الشعوب..!! عثمان ميرغني نقلت صحف الأمس تصريحات السيد الإمام الصادق المهدي \"النارية\" .. التي أطلق فيها الرصاص في كل الاتجاهات.. هاج الذين ينتقدونه في الصحف.. وكال للمعارضة.. وخصص للحكومة وحزبها الحاكم نصيبهم من النقد اللاذع، فقال إن الإنقاذ (جات تكحلها عمتها).. لكن أكثر ما أثار دهشتي في حديثه قوله أن القول بإسقاط النظام في (24) ساعة هو (كلام لناس عندهم قنابير).. ولجيل الفيس بوك.. الذين ربما صعب عليهم فهم حديث سيد صادق.. (القنابير) جمع (قنبور).. و(القنبور) هو خصلات من الشعر في الرأس تبقى وحدها بعد حلاقة بقية الرأس.. يصبح الرأس صلعة لامعة تطفو فوقها حزمة الشعر المتروك عمداً .. ويسمى من يفعل ذلك (أبو قنبور).. وطبعاً ليس بالإمكان تأنيث المصطلح .. فلا يمكن القول (أم قنبور) لأن المرأة لا تحلق (صلعة). لكن المعنى المراد من مصطلح (قنابير) هو الدلالة على الغباء.. أي (أناس أغبياء.. من يصدقون إمكانية إسقاط الحكومة خلال أربع وعشرين ساعة). ومع احترامي وتقديري لرئيس حزب الأمة القومي.. لكنه أخطأ في تقديره لقوة ومقدرة الشعب السوداني.. إلا إذا كان القصد من حديثه هو (الاستفزاز الخلاق).. على سياق (كان راجل أعملها) والحديث طبعاً موجه للشعب السوداني. ليس هناك أي (قنبرة) في مقدرة الشعب السوداني.. سبق له الإطاحة بنظامين عسكريين في أكتوبر 1964 و أبريل 1985.. وفي كلا الحالتين أنجز الجزء الأساسي من المهمة في أقل من ال(24) ساعة التي أشار إليها المهدي.. مثل الزلزال.. الهزة الرئيسية تستغرق بضع ثوانٍ.. لكن التوابع تستمر فترة من الزمن كافية لتمكين الكارثة من التمدد بأوسع ما تيسر. ورغم السوابق الشاخصة في تونس ومصر ثم ليبيا واليمن وسوريا.. كل على قدر حاله وثورته.. إلا أن الوضع في السودان مختلف– جداً-.. كيف؟؟ سأقول لكم. في السودان (حد الأمان) حرج للغاية. ومصطلح (حدّ الأمان) من عندي استخدمه لعدة سنوات في حديث المدينة أكثر من مرة للدلالة على المسافة الفاصلة بين أي وضع طبيعي.. وآخر (كارثي).. ولا أقصد به الوضع السياسي فحسب. بل أي وضع في الحياة العامة على مدّ البصر في يومياتنا العادية.. على سبيل المثال.. أمس الأول أقيم حفل غنائي في شارع النيل. في أقل من دقيقة كانت العاصمة كلها تتوجع من اختناقات المرور.. ولو توقف قطار واحد في أي موضع بالعاصمة يصبح في اليوم التالي (مانشيت) الصحف بما يسببه من أزمة.. إشاعة صغيرة. بأن فلاناً اغتيل.. ويتوقع حدوث رد فعل.. كافٍ لتجفيف شوارع العاصمة في دقائق قليلة من المارة كما حدث في شائعة مقتل (فاولينو) في العام 2005. توقف مصفاة النفط في الخرطوم ليوم واحد عن إنتاج الغاز. كافٍ لرفع سعر الأنبوبة.. وخلق حالة ذعر.. وبالأسلوب العلميّ.. نطلق عليها نقطة (التوازن).. وهي نقطة وهمية تحدد الموضع الذي إذا تعداها مركز ثقل الجسم يؤدّي لسقوطه.. ولهذا تصمم السيارات بحيث تكون نقطة اتزان في أدنى مستوى، قريباً من الأرض حتى لا يتعداها مركز الثقل فتؤدي لانقلاب السيارة. لكن إذا تصورت سيارة عالية الارتفاع ولها قاعدة صغيرة على الأرض من الممكن أن تنقلب لأدنى حركة عنيفة غير متوقعة.. الأوضاع في السودان (في كل المجالات) تعاني من هشاشة (حد الأمان) الذي يفصل الحالة الطبيعية.. من وضع الكارثة. ولهذا ليس هناك أي (قنبرة) في مثل هذه الحديث.. حديث إسقاط النظام في (24) ساعة..!! التيار