حديث المدينة أكل السوسة..!! عثمان ميرغني أمس حملت معظم الصحف في صدر صفحاتها الأُول.. تصريحات السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير عن الخدمة المدنية.. أقر فيها أن السياسة حجبت بصرها.. و(التمكين) حجب بصيرتها.. وأن البلاد تضررت من ذلك كثيراً.. وحملت معظم الصحف (توجيه!) رئيس الجمهورية بمنع التسييس والمحسوبية.. حتى يتسنى تحرير الخدمة المدنية من آفاتها العظمى.. حديث الرئيس وتوجيهاته مهمة ومطلوبة فعلاً.. لكن يبقى السؤال.. كيف؟؟ من الواضح أن كل ما ذكره الرئيس سينتهي مفعوله بنهاية اللقاء الذي عقده مع قيادات الخدمة المدنية في قاعة مجلس الوزراء.. بحضور النائب الأول للرئيس.. إلا إذا بدأ المسير في خارطة طريق لإصلاح الخدمة المدنية.. فكيف يمكن تحرير الخدمة المدنية؟؟ أول خطوة هي إعادة توصيف مهامّ منصب (الوزير) بصورة دقيقة وحاسمة.. لأن (الوزير) بالوضع الحالي ليس مجرد (سيد) يحكم أمبراطوريته بمنتهى المزاجية.. بل هو سلاح تدمير شامل لكل اللوائح والنظم التي يجب أن تعمل بها الخدمة. فالوزير في غالب الأحيان أتى للمنصب على ظهر موازنات كثيرة.. وليس بالضرورة أن يكون له إلمام أو خبرة بطبيعة الوزارة التي أوكلت إليه.. لكنه ومنذ أول يوم يطأ فيه مكتبه في الوزارة تنتابه حالة تضخم عبقرية.. إحساس مكبر بأنه المنقذ والبطل الذي سينتشل الوزارة من الصفر إلى القمة.. فيعيد ترتيب كل شيء.. خطط جديد (هذا إن كان من أصحاب التخطيط لا التخبيط).. وأحياناً كثيرة يأتي بحاشية كبيرة من الكوادر التنفيذية والمساعدة بديلاً لمن هم أصلاً في الخدمة.. الوزير هو مصدر الخلل في الجهاز التنفيذي.. ولا بد من وصف وظيفي دقيق مسنود بلوائح تجدد نطاق حركته.. فهو مجرد منصب سياسي سيادي لا يجب أن يختلط بدورة العمل اليومية العادية. ويجب نزع (القلم) الأخضر من يده حتى تنساب دورة العمل بسلاسة ولا تتأثر بوجوده أو غيابه.. وكما قال السيد رئيس الجمهورية في لقائه بقيادات الخدمة المدنية: يجب إعادة الهيبة والجدية لمنصب (الوكيل) ليصبح هو سنام العمل التنفيذي.. ولا يتحقق ذلك ما دام الوكيل يأتي– مثله والوزير- محمولاً على ظهر الترضيات الجهوية والقبلية.. لابد من توفير حصانة لمنصب الوكيل ليأتي متدرجاً بالسلم الوظيفي العادي.. وأقترح أن يكون (الوكيل) مجرد (درجة وظيفية) وليس منصباً بعينه. بمعنى أن يسمح الهيكل الوظيفي بوجود أكثر من وكيل.. بحيث يتسنى توزيع العمل عليهم.. فيكون في الوزارة الواحدة وكيل لإدارة مهام محددة.. ووكيل آخر لإدارة مهام أخرى حسب التخصص.. على كل حال.. لا سبيل لإصلاح حال البلاد إلا بإصلاح الخدمة المدنية.. والمطلوب وضع الأمر في قمة الأولويات لأن الخدمة المدنية وصلت الحضيض.. جهاز بيروقراطي ضخم. مترهل.. يأكل أكل السوسة والعافية مدسوسة.. التيار