..يا حاجة أمنة اتصبري ازمة المعاشيين وأركيولوجيا القهر السياسي المثني ابراهيم بحر [email protected] الامكنة ما اكثرها والشرفاء ما اجملهم فهم كثيرون في وجه هذا الزمان الصعب ما دق العظم واذاب الشحم واضاء النخوة وقصر الهمة وذهب بقوت العيال.. قضي الاستاذ محمدين احلي سني عمره معلما للاجيال متفانيا في خدمة ابنائه من طالبي العلم للدرجة التي كان يعتبر ان الدروس الخصوصية وصمة عار علي جبين من يقترفها ولكن قرار احالته للمعاش نبهه فجأة للعمر الذي ركض وان حربه مع النفس بدأت تتقدم وعلي الجفون ذكريات وارق دائم وما ان مرعامان حتي كشرت له الدنيا عن انيابها والحال اصبح يغني عن السؤال فلا زال المعاش موقوفا بأمر حكومة الولاية التي لا زالت تتلذذ بتعذيب ضحاياها ولكن الاستاذ محمدين الذي منحه المولي عز وجل مقدرة كبيرة في الصبر والتأمل مع الذات كان كثيرا ما يقول لرفيقة دربه الحاجة امنةالتي كانت تلح عليه بكثرة السؤال عن الحال الذي اصبح مائلا (يا حاجة اتصبري انشاءالله حتفرج ) لقد كان زاهدا في كل شيء متعجبا لامر الذين ظلموه وهم يلهثون خلف ما هو زائل فكلما حاولت الدنيا غوايته استغني عنها بزكر الله فهو يؤمن بأنه كلما استغني فقد اغتني..ومما يتأسي له ان الكثيرمن طلابه يتبوؤن مراكز مهمه بحكومة الولاية وانتهي به المطاف خفيرا لأحدي البنايات تحت طور التشييد فقد ولت ايام العمر الفتية والتشاقي الجميل واتت الشقاوة المرة علي وطأة الشتاء والخريف ولكن ما الذي يمكن ان نتعلمه اكثر من قضاء الوقت بصحبة رجال ينتظرون الموت ففي بلادي يحال الناس الي القبر بقرار حكومي اسمه نهاية الخدمة فنحن لم نتعلم بعد كيف نبدأ حياتنا بعد الستين الزمان ساعة الامراض المزمنة ومسؤلية الاطفال الايتام والرجال الذين يهربون الي المنافيء القسرية..الي الحرب..الجنون..الي الموت..بدور التي لم تكمل عامها الخامسة والثلاثين لجأت للعمل كبائعة للشاي بعد ان خطف الموت زوجها الذي كان موظفا بأحدي دواوين الحكومة وترك لها زغب صغار فهي الام الحضور في ساعة الاحتياج فبعد ان تملكها اليأس من غدر الحكومة التي حرمتها من معاش زوجها اختبرت جحيما اخر اسمه السكن العشوائي بين المريسة ودعارة الليل فصعب جدا ان نسمي هذه حياة فكان لا بد ان تواصل الكفاح من اجل تربية العيال فعملت كبائعة للشاي رغم الصعاب التي كانت تواجهها في سوق الرجال ومن المرض الذي نهش عظمها فهي كانت تخشي اهدار نقودها للقاء الطبيب الذي تحتاجه فتدخرها لانين اطفالها ولكن ما أوجعها حين شردتها سلطات الولاية مع رفيقاتها من الذين سولت لهم اعاقتها النفسية والجسدية وهي نفس الحكومة التي حرمتها من معاش زوجها لذلك لم استغرب بقدر ما فجعت عندما علمت انها مرضت مرضا شديدا قبل ان ترحل عن الحياة لتتحرر اخيرا من جسدها ورغباته وجمالها ولعناته وحتي مما حاولت الحكومة زرعه فيها من حقد وخطيئة وساح ابنائها في المدينة يبيعون الماء والمناديل الورقية ولكن الشوارع في المدينة بدت عصية عليهم فالحكومة هنا لها قراصنتها وقوانينها والجباية ليست فقط من الجيب بقدر ما انها كل ما تحتاجه الحكومة لاشباع رغباتها النفسية اما الصغير فلم يكن بحاجة الي دعوة ليحترف التشرد بكامل تخصصاته النشل والتسول وغيرها المكان.. الركن الاكثر ارعابا في باحات المصحات النفسية علي الاطلاق بين الذين سولت لهم اعاقته العقلية حتي القتل..فجأة وبدون سابق انذار تلقي صابر خطابا يفيد بنهاية خدمته من باب الصالح العام من تلك المؤسسة العريقة ولكن اندهاشه انه كان لا يزال امامه عشرة سنوات حتي يترجل عن سن المعاش وما ادهشه اكثر انه لم يتعاطي السياسة قط في حياته فتحمطت كل اماله وأحلامه فهو لم يتزوج بعد لانه كان يعول اخوته وكافح من اجل ان يصل اشقائه الي برالامان ولكنه ما ان فكر في نفسه حتي طالته يد الحكومة الطويلة غدرا اشتري بمكأفأة نهاية الخدمة قطعة ارض لم يقوي علي بنائها لضيق ذات اليد ولكن من اين له ان يسددرسوم الايجار وكيف يأوي نفسه ويأمن مأكله ويروي ظمأه والمرض الذي بات ينهش من جسمه يجعله لا يقوي علي الاعمال الشاقة بعد ان بات معاشه موقوفا بأمر السلطات لان التامين الصحي ايضا يستقطع اجره من مرتب المعاش الجاري فضاقت به الارض ونحل جسمه وذهب عقله وانتهي به المطاف وحيدا في مستشفي المجانين فالمصحات النفسية في بلادنا يتيمة وامكنة للتساؤل فالذي يعاني وحيدا او يتلكأ في مشيبه يسنده اهله و جيرانه فحياتنا ازدهرت في ارض تجل الاسلاف والذين انتهوا الي هنا تضافرت علي وجوههم ظروف قاهرة بينما كان اميرالمؤمنين كعادته دوما يتفقد رعيته وجد شيخا يسول فسأله لماذا تتسول قالها اميرالمؤمنين وهو ماشيا في طريقه فرد عليه الشيخ ..يهودي اتسول لكي ادفع الجزية واعول نفسي فأندهش امير المؤمنين وتأثر وقال له اخذناها منك وانت شابا فنرغمك علي التسول وانت شيخا لا والله لنعطينك من بيت مال المسلمين وقال ردوا عليه كل ما دفعه من قبل ليأمر امير المؤمنين كل ولاة دولته بأعانه من كان فقيرا او ضعيفا او طفل او امرأة من يهود او نصاري ليصرف له من بيت مال المسلمين لاكثر من خمسة اعوام لم تراوح ازمة المعاشيين في ولاية البحر الاحمر مكانها ولم يتلقي ما يربوا عن ثلاثة الاف من المعاشيين في الولاية حقوقهم منذ العام الفان وسته الذي شهد بداية الازمة التي تمثلت في عدم وفاء حكومة الولاية بألتزاماتها الشهرية تجاه صندوق الضمان الاجتماعي لتصل حقوق المعاشيين الي ما يقارب 92مليار جنيه بالعملة القديمة وهو الرقم الاعلي بين مديونات المعاشيين في السودان البالغ مقداره 540 مليار جنيه وقد اشار الامين العام لمنظمة رعاية المعاشيين لصحيفة الصحافة بأنهم قد فقدوا الامل في مساسكة حكومة الولاية للمطالبة بالحقوق المسلوبة ولم يتبقي الا الذهاب في درب التقاضي ولكن في رأيي ان درب التقاضي وحباله الطويلة ستزيد من معاناة اولئك الضحايا ولم يعد من الامكان ان يمدوا حبال الصبر لاكثر من ذلك ودونهم مفصولي بنك السودان لم تبارح ازمتهم مكانها حتي الان فبعد ان استغرقت زمنا طويلا حتي تناساها اهلها فصل فيها القضاء لصالحهم ولكن تظل اشكالية التنفيذ ازمة ماثلة حتي الان ان احدي مشكلات حكومة الولاية الاساسية هي ادمان اللغة الدعائية في تناولها للقضايا فلغة السياسة عندهم تجريمية وتحريضية ضد الاخر وهذه الدعائية اكثر ما تطغي علي الجوانب الموضوعية للقضايا حين تتسرب للعقل الجمعي فتصور الاوهام كحقائق وتساهم بالتالي في خداع الذات فمن ذا الذي سيصدق ان الولاية التي تعتبر الاولي في سباق التنمية بين الولايات تظل فيها ازمة الخريجين ماثلة بصورة اكبر من كل الولايات فمنذ ان وطأت اقدام الوالي ارض الولاية اغلق باب التوظيف بالضبة والمفتاح فعندما نعرف ان ما تنفقه حكومة الولاية في اشياء ثانوية بغرض التنمية تكفي لمعالجة الازمات الراهنة من ازمة المعاشيين الي تأمين نظام صحي يشمل جميع المساكين الحائرون في هذه الولاية فمن ذا الذي يصدق ان المعاشيين في هذه الولاية يعانون ويلات من العذاب النفسي بعد ان افنوا زهرة شبابهم بذلا وتضحية فكان جزاؤهم الجحود والنكران في ظل انعدام القيمة الاخلاقية والدينية لنخبة اللامعقول التي اضحت بلا اي قسط من حياء والمهم ان حكومة الولاية تخلت عنهم فالاستاذ محمدين واخوته تعودوا ان يبتلعوا احزانهم دون ان يتخموا بعد ان سرقت الدنيا لسانهم وحقهم في لوم الاخرين وتخطيئهم ونأمل ان يتم البحث والتنقيب عن تاريخ الاثرياء الجدد الذين سارت مراكبهم في حقبة العقدين الاخيرين وعلاقتهم بأركيولوجيا الثروات المسكوت عنها ان النماذج المشرفة علي شاكلة اولئك الشرفاء بحاجة لان تسندهم الحكومة لا ان تتخلي عنهم وعلي وسائل الاعلام ان تكون اكثر عونا ومرجعية للحقيقة وليس تشويها لها ولكن الانسان في اتون مجتمعنا يضحي به من اجل السلطة والمظاهر الاجتماعية بينما يجب ان يضحي بكل شيئ من اجل محمد احمد الغلبان ولكن عدالة السماء ستثأر لجميع اولئك الضحايا والمنكوبين لان الموالي عز وجل يمهل ولا يهمل لقد اثارني رد السيد الوالي علي الذين انتقدوه في الاحداث التي صاحبت ليلة رأس السنه فرد عليهم بأنهم يريدون بأن يرجعوا بالمرأة الي عهد العصور الحجرية فبالله كيف يستقيم العقل ومن يضحك علي من فطالما كان جسد المرأة موضوع غني لسن التشريعات والقوانين في فصامية عالية تعول علي هذا الجسد وتغالي في قمعه فمن الذي امر بتشريد بائعات الشاي من السوق بدعوي اسباب كثيرة ذكرناها سابقا وفي النهاية حبسهن في بيوتهن ولكن ان يصدر مثل ذلك القول من رأس الولاية لهو شرح كافي للايدلوجية التي تسبطن بها النخبة الحاكمة الوعي الجمعي وتفرزه بأعتباره الوضع الطبيعي فألي متي نظل نعاني من جمود الفكر والكفاءات وان حكومة الولاية هي امتداد لسيطرة الخطاب المتشدد لنخبة اللامعقول التي تعمل علي اعادة صياغة المواطن السوداني وان موقف الحكومة المركزية من الازمة تكتيكي واجرائي وليس موقفا مبدئيا ان الحياة في اتون مجتمعنا باتت اضيق بكثير من احلامنا في العيش بعد ان اصبح الشر له الف باب فلم يعد مجتمعنا يزدهر بالفضيلة بعد ان تحكم فيه الجوع ونبش الفقر فيه اي رزيلة.. فبدت حياتنا مليئة بذلك الخطر المشحون بالبارود والتوتر وصارت ازمتهم غارقه في الوحل في انتظار عدالة السماء فالاعوام التي قضوها في خدمة الحكومة علمتهم انها كانت الخطيئة الوحيدة لذلك لم استغرب بقدر ما فجعت عندما علمت بأن بدور قد تألمت كثيرا قبل ان تغادر الدنيا لقد رحلت بعد ان اشتوت بنار الحكومة علي طريقة الدراما الاغريقية ربما كان علي اولئك المنكوبين ان يبرزوا انيابهم واظافرهم ليظهروا بعض الشر حتي تكف عنهم الحياة تجاربها الصعبة فمفصولي بنك السودان ذهبوا في اتجاه التقاضي حتي فصل لصالحهم بعد طلوع الروح ولكن لا حياة لمن تنادي الا ان المناصير قد فاض بهم الكيل فكان ردهم علي طريقه الرد بالسد فكان الرد بالاعتصام بعد ان صمت الحكومة اذنيها عنهم فلا يمكن التحايل علي الواقع بعد الان بدعاوي الحرص علي علي رعاية ورفاهية المواطن الغلبان فالمشروع الحضاري سيخرج المسكوت عنه الي حيز الممارسة العلنية بعد ان كشفت الازمات عوراتهم ولكن في الواقع ان ازمة المعاشيين قد تجاوزت اطروحات المسكنات والمهدئات التضليلية لانها لم تعد مسألة ذاتية يبحث لها عن متكأ سياسي ولم تعد محصورة في وصفها بالترميزات الاستفزازية ولكن المسألة تبدت بابعادها في الواقع المادي المتعين في التراتيبة الاجتماعية والسياسية في ظل التمييز الايدولجي البغيض بين معاشيي الخدمة المدنية مع نظرائهم في الخدمة العسكرية وفي تجليات ما يسميها منصور خالد بالتعالي العنصري المستتر والابرهاتهايد الديني ان تلك الازمة ساهمت في انتاج المزيد من حالات القهر الاجتماعي علي اولئك المنكوبين لانهم اصلا ما ناقصين فهي ليست بالضرورة قائمة علي البعد الاثني بل جوهريا هي تهميش اجتماعي قد يأخذ ابعادا دينية وتتطور الازمة بأعادة انتاج نفسها في شكل ازمات متصاعدة وتتعارض ازمة المعاشيين في جوهرها مع مع قيمة الدين الاسلامي عبر ما نسميه بمكانيزم النفي البيولجي لشريحة المعاشيين في معادلة التخالط الاجتماعي فالدين منهم براء وهم يتسترون خلف شعاراته ويصنعون منها قفازات لممارسة اللامعقول بالاضافة للتدجين السلبي من اجهزة الاعلام الهدامة لازماتنا الاجتماعية والسياسية كأثر مباشر لنموا هذا النمط الاعلامي فسياسيا ما زالت معادلة التزاوج الاحادية في حكومة الولاية مستمرة وما زالت تفعل الافاعيل في القطاعات المدنية فكانت ازمة اولئك الضحايا من اثارها التي يتحملها من يدعون انهم يطبقون شرع الله فقادوا الازمة الي اقصي تجلياتها في الظروف الحالية التي تنذر بحلول الكارثة الكبري التي يخشونها بفضل حالات الاحتقان السياسي التي تشهدها البلاد ان الوضعية التاريخية لمعاشيين الخدمة المدنية تبدوا دوما مأزومة بفضل انحياز النظم العسكرية التي سيطرت علي معظم فترات الحكم بالبلاد بعد الاستقلال فساهمت في الاوضاع القائمة لمكانيزما التهميش القائمة علي اساس الفارق السياسي ومن ثم استثمارها اقصائيا فمن الطبيعي ان نشهد الازمة القائمة الان ولن تزول الازمات التي تلاحق معاشيين الخدمة المدنية بشكل نهائي الا مع حلول اول حكومة ديمقراطية قادمة بأذن الله لا ن الوضعية الماثلة الان تتناقض جوهريا مع جوهر النظم الديمقراطية التي ستسود بعد ان تتولد المضادات الايدولجية للنخبة المسيطرة ولكن ستظل ازمة المعاشيين دراما واقعية مثيرة للجدال في ظل تعنت اولي الامر في طرح حلول موضوعية تساهم في حل الازمة بعد ان تراكمت الديون وتفاقمت الازمة وسقطت معها كل الاطروحات والمباديء وموت الضمير الانساني في ظل وجود التنمية التي تعكسها وسائل الاعلام التي عليها ان تكون مرأة للحقيقة لانها شيدت علي اكتاف اولئك الضحايا سواء اتخذ الجدال شكل الحوار الموضوعي كما نريد او محض المهاترة السياسية كما تريدها النخبة الحاكمة واذا اردنا ان نبقي سويا فلا بد من العمل علي اعادة انتاج الدولة علي اساس العدل وتأسيسها علي شرعية الاختلاف ولتبقي المشتركات زادا للمسير.