[email protected] في أمسية الخميس السادس عشر من فبراير، شرفنا الثلاثي السوداني الفائز بجميع جوائز الترجمة في فعاليات جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي وهم ناصر السيد محمد وعمر بابكر سليمان والقذافي حاتم السيد بترجمتهم لروايات (تخوم الرماد) و(الدم في نخاع الوردة) و(بوابات الشمال) على التوالي، ومع أن معلن النتيجة الذي تفوق على نفسه في تقديم الحفل بحلو النظم والنثر وجمال الصوت، بخل علينا بذكر أسماء مؤلفي الروايات المترجمة ظناً منه أنها معروفة لجميع المتابعين، إلا أن ذلك لم يقلل من السعادة بفوزهم الاكتساحي0 وكان أن شارك الزميل الدكتور بشرى الفاضل نهار ذات اليوم قبل إعلان النتيجة بتقديم إفادة حول تجربته الإبداعية بأسلوب خطابي بديع مفعم بالسلاسة والغوص الفني في تخوم التفرد والتي (سرق بها الكاميرا) من الآخرين، حتى إنني قلت لمن كان يجاورني الجلوس في القاعة بأنه لو كان بشرى الفاضل ضمن المتنافسين لابد أنه سيفوز بجائزة، وقد كان0 فقد نال بجدارة الجائزة الأولي في مسابقة القصة القصيرة بقصته (فوق سماء بندر) مما أثلج صدورنا كثيراً لأن جميع جوائز الرواية والجائزتين الثانية والثالثة للقصة القصيرة ذهبت للأخوة العرب من المغرب والجزائر ومصر واليمن مما يؤكد اتساع رقعة المتنافسين وتقديرهم لمن تحمل اسمه إلا وهو الأديب الراحل الطيب صالح الذي يحلو للبعض أن يسميه الطيب الصالح لطيبته وصلاحه0 يحق بالطبع لجريدة (الخرطوم) أن تحتفي بكاتبها الدكتور بشرى الفاضل أيما احتفاء بدأ بإفرادها مساحة تهنئة خبرية بارزة بالصفحة الأولى صبيحة اليوم التالي لإعلان النتيجة، ولأنه بحق يحفر بأظافره على صخر الكتابة القصصية الجادة منذ أن أدهش القراء بقصته الشهيرة (حكاية البنت التي طارت عصافيرها) وما تلاها من أخريات كونت مجموعة ومن ثم مجموعة أزرق اليمامة ومجموعة فيزولوجيا الطفابيع، جدير بهذا الفوز الذي هو أهل له0 فله مني خالص التهنئة مع صادق التمنيات بمزيد من التقدم في دروب القص والإبداع التي يسير عليها بثبات جعله يتمدد نحو مجالات أخرى كإطلالته شبه اليومية من عموده (في التنك) والذي يتناول فيه مختلف القضايا السياسة والاجتماعية بمنظور واقعي وتحليلي رفيع الصنعة، وهو من كتاب الجريدة الأوفياء لفترة طويلة منذ أيام صدورها من القاهرة حيث أذكر له ابتداعه لمصطلح الطفابيع والذي في إطار توضيحه قال: (الطفابيع كلمة جئت بها من عندي، كما يبتدع الأطفال الكلمات، ومفرد الطفابيع طفبوع كقولك في جرابيع جربوع والطفبوع هو المقابل الهزلي للسفاح، ففي حين إن السفاح يقتل فتنجم عن فتكه بالآخرين صدمة مريرة، نجد أن الطفبوع يقتل بصورة مباغتة ومأساوية للحد الذي تدخل فيه المأساة في إقليم الكوميديا فيضحك الناس في الظاهر ويدونون ابتساماتهم في ذاكرتهم المؤقتة ويختزنون أحزانهم في ذاكرتهم الجمعية الدائمة0 وفيما أورده جمال محمد أحمد في (سالي فو حمر) بعنوان (جمجمة تتكلم) خير مثال للقتل على الطريقة الطفبوعية حيث ذكر أن رجلاً سمع جمجمة تتكلم في غابة فسألها عن سرها فقالت جاء بي إلى هنا لساني. وذهب الرجل وحكى عنها وعاد بمن يرغب في التأكد فلم تتكلم الجمجمة، فكانت سبباً في قطع راس الرجل بتهمة الكذب فأصبحت هناك جمجمتان، وفي الليل تكلمت الجمجمة القديمة بعد فوات الأوان قالت: أما قلت لك جاء بي إلى هنا لساني؟) فيا له من صاحب خيال واسع أعانه على الكثير من العطاء وأفضله في جزئية القصة القصيرة التي برع فيها فكان بقصته فوق سماء بندر هو الأجدر0