بلا انحناء فاطمة غزالي [email protected] ما لنا ألاّ نحزن .. (نقد) قصّة نِضال ما لنا ألا نحزن وقد عربدت الأقدار فينا، وتواترت أنباء المنية لتُعلن عن رحيل سياسي يُعدُّ قصة نضال في وطن اللا سكون، ما لنا ألا نحترق ألماً حينما نُمسك اليراع لنكتب عن الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني في يوم الرحيل.. تساقطت كل الدموع من علٍ وأغرقت الذات السودانية بحزن لا يدرك المنتهى، فقبل أن تبرأ جراح تنزف أخرى.. وقبل أن نكفكف دمعات تسيل دموع عجزت من أن تطفئ لهب الحزن المعتق فينا، ولم يعد انحدار الدمع يعقب راحة.. كل العالم اليوم يصغي لأحزاننا ويترجم النواح الصاخب، والوجع المكتوم بين الشهقات والزفرات الحزانى، العالم اليوم يرصد أقداح الأسى المتراصفة في سراديق العزاء، ويقرأ سر التعاسة في موسم اللا فرح. حينما نقولُ نقد سياسي لا كالساسة لا نبالغ في نعته؛ فهو الصّادق مع ذاته وغيره حينما يتخذ موقفاً أو تخرج من بين كلماته الجادة عبارات تحمل بيمنها الشفافية وفي يسارها القناعة بما تحمله من معاني.. نقد لم يكن سياسياً نرجسياً صفوياً يجنح إلى تبرئة الذات من كل ما علق بالثوب السوداني من شوائب سياسية ونهج سالب في إدارة الدولة، وأجمل ما في نقد تَحَرر ذاته من الأنا التي لأزمت كثير من الساسة السودانية إلى درجة لا يرون في المرآة السودانية إلى أنفسهم. وسائل الإعلام السودانية والعالمية تشهد ل(نُقد) بالموضوعية في تناول الأزمة السودانية، ومثلما انتقد الإنقاذ انتقد بعض مواقف المعارضة وهو جزءٌ منها، بل قذف بآراء منتقدة لتجربة حزبه في إطار تقييم وتصحيح مسيرته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.. هاجم (نقد) سياسات المركز في كل الحكومات الوطنية عقب الاستقلال.. تمسّك بمواقفه الثابتة تجاه قضايا الهامش، وظلّ يردد طوال أزمة دارفور مقولة "ناس دارفورعرفوا الدولة والحكم غير الآخرين لازم يأخذوا حقوقهم".. حينما أدرك أن موج الإنقاذ الشمولي قد يجتاح سرية نشاطه السياسي اختار باطن الأرض حماية لحزبه.. لا شك في أن (نُقد) وضع بصمات خاصة في مؤتمر جوبا للقوى السياسية بالتفاعل الفكري وإدارة مجرياته.. كان مرحاً في جوبا مع الزملاء في السلطة الرابعة وكانت التعليقات والصور التذكارية مع بعضهم، وحينها تعرفنا أكثر على (نُقد) الإنسان.. لم يكن جافاً كما يبدو للبعض من خلال ردوده الحاسمة على التساؤلات التي تبدو له غبية أو تحمل بعض من الخبث، بل يحمل في دواخله خفة الروح، ربطتني بالأستاذ به علاقة أبوبية طيبة، وكلّما طلبتُ محاورته لم يصدني يوماً فكان حاضراً في إرشيف أغلب الصحف التي عملت بها بعد خروجه من "مخبئه السري" ..وكان معجباً بفكرة صحيفة "الجريدة" فوافق على الفور حينما نسقت للحوار معه وأذكر أني أرهقته في ذلك اليوم لأنّه كان مريضاً، ومشغولاً باجتماعات حزبه وقتذاك إلا أنّه وافق أمام إصراري على موعد الحوار.. وبالرغم من مرضه أصرّ على زيارتي في سجن أمدرمان ونسق مع صديقتي وزميلتي عائشة السماني ردّ اللهُ رغبتها، وحملها رسالة مفادها "قول ليها بكرة جايك عمك نقد واستفيدي من السجن وأقري كتير".. فكانت عائشة نعم الرسول إلا أنّ خروجي سبق زيارته فوصلتني كلماته.. أدْرِكُ جيداً أنّ عائشة ستكون أكثرنا حزناً وألماً على نقد وعلى الشاعر حُمّيد. نقد كان فخوراً بهذا الجيل معجباً بتواصله مع العالم الخارجي سياسةً وفناً وثقافةً، واعْتَرَفَ له بميزات لم تتوفر في الأجيال السابقة، ولم نُفاجأ حينما قام حزبه بتكريم شخصي والأستاذات القديرات أمل هباني، ونجلاء سيد أحمد، وهويدة سر الختم احتفالاً باليوم العالمي للمرأة ووضعنا في قائمة رائدات العمل الصّحفي، لأنّه حزبٌ من الأحزاب التي تُدرك دور المرأة في المجتمع.. شكراً وانحاءة لكل الذين يدركون معنىً لهذا الوطن. الجريدة