يبدو أن تعقيدات جدية تكتنف علاقات دول حوض النيل بسبب سد الألفية الإثيوبي، فضلا عن اتفاقية عنتيبي البديل المحتمل لاتفاقية تقسيم مياه النيل الحالية.. ففيما يستعر الجدل في مصر بسبب السد الإثيوبي، حسمت دولة جنوب السودان أمرها في النزاع والخلاف القائم بين مصر ودول حوض النيل حول اتفاقية عنتيبي.. وهناك خمس دول حتى الآن من دول الحوض وقعت على هذه الاتفاقية، وهي: (إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا.. فهل تستطيع مصر اليوم الدخول في مواجهة جبهتين ساخنتين، تدوران حول قضية (حياة أو موت) تتعلق بأمنها المائي.. والحرب في أكثر من جبهة ينظر إليه الخبراء العسكريون باعتباره خطأً استراتيجياً قاتلاً.. في تقديري أن جبهة اتفاقية عنتيبي هي الأولى بالعناية وبالتالي فإن تبريد جبهة الأخرى - السد الإثيوبي - ضرورة على الأقل في الوقت الحالي.. في (21) يونيو الحالي ستنعقد اجتماعات في جوبا، وسيتم في تلك الاجتماعات منح جوبا عضوية مبادرة حوض النيل.. مصادر وثيقة الصلة بصانعي القرار قي الخرطوم أكدت أن جنوب السودان ستطالب بحصتها من مياه النيل التي تحصل عليها السودان، والمقدرة ب(18.5) مليار متر مكعب، حيث لم يكن لها حصة محددة من مياه النيل، لأنها كانت جزءاً من السودان عند التوقيع على اتفاقيات اقتسام مياه النيل لعامي 1929 و1959، وبعد الانفصال لم تحدد لها حصة واضحة من مياه النيل.. مصدر قلق مصر أن هذه الاتفاقية تجعل دول حوض النيل في حلٍ من هذه الاتفاقية التي تتحدث عن حصة كل دولة بعبارات فضفاضة وتقول إنها تحددها احتياجات الدولة المعنية بما لا يضر بالآخرين، وهذا مكمن الخطر في رأي مصر التي ظلت تتمتع بحصة وافرة وفقاً للاتفاقية السارية حالياً.. لذا موقف مصر هو أنها لن توقع على اتفاقية عنتيبي إلا بضمان حصتها بشكل محدد وقال وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور محمد بهاء الدين: (إن مصر لن توقع على الاتفاقية الإطارية ما لم تنصّ صراحة على ضمان حصتها من مياه النيل). ولأنه من الصعب أن تتحكم إثيوبيا بسبب العنفوان الذي يتميز به النيل الأزرق، في تقليص حصة مصر على الأقل في المدى المتوسط فإن من الأجدى أن تركز على جبهة اتفاقية عنتيبي خاصة أنها تجد مساندة من السودان في موقفها.. ليس من المجدي مطلقاً أن تتماهى الحكومة المصرية مع مواقف الإعلام المصري المتشنج من السد الإثيوبي وقد بنيت في كثير من الأحيان على معلومات مغلوطة، بل إن بعض القوى السياسية تحاول تجريم السودان باعتبار أن موقفه من السد في نظرها سلبياً.. الضجة التي ثارت إثر إعلان إثيوبيا البدء في تحويل مجرى النيل الأزرق لم تكن موضوعية؛ إذ أن تحويل المجرى جاء وفقاً لبرنامج زمني معلوم، وأي سد تحت التشييد يتطلب تحويل مجرى النهر مؤقتاً ريثما يتم الانتهاء من بناء قاعدة السد وهذا الأمر حدث مؤخراً في سير الأعمال بمشروع مجمع سدي أعالي عطبرة وسيتيت داخل الأراضي السودانية.. ما هو خطير أن تصح مقولات بعض المحللين التي ترى أن إعلام المعارضة المصرية المناوئ للرئيس مرسي يبحث عن أي قضية لاستخدامها وقوداً في معركته الشرسة ضده.. يريد ذلك الإعلام أن يُظهر الرئيس مرسي في صورة المفرّط في أمن مصر المائي، ومن قبل أثار زوبعة عقب زيارته للخرطوم وتصريحاته العقلانية بشأن حلايب، حيث دُقت الطبول معلنة تفريط مرسي في حلايب!!. في السودان أُعلن عن موقف الخرطوم من السد الإثيوبي إذ أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن السودان لا يتضرر من قيام السد المثير للجدل.. لكن البعض في السودان استجاب إلى مواقف الإعلام المصري المتشنجة إذ تحدث أحد الخبراء عن ضرورة استرداد السودان ما أسماه بالسلفة المائية التي منحها لمصر في العام 1959م مبرراً دعوته الغريبة بفقدان السودان لبترول الجنوب عقب الانفصال؟!، مؤكداً استفادة السودان من قيام السد.. لكن خبيراً آخر قال إن تضرر السودان من قيام السد الإثيوبي يفوق الضرر الذي تتحدث عنه بعض الأوساط المصرية! أعتقد أن السودان لديه دور محوري في لملمة الموضوع وتهدئة الخواطر وتنظيف الملعب من اللاعبين (المشاغبين).. من حق إثيوبيا إنشاء السدود كما هو حق السودان ومصر، ومن حق أي دولة من هذه الدول ألا تتضرر مصالحها بسبب قيام سد في أي منها.. هذه قاعدة ذهبية يرتكز عليها حل أي إشكال يعتري هذه القضية الملتهبة.. سواء في حالتي سد الألفية واتفاقية عنتيبي ليس من المصلحة أن تبدو مصر والسودان في حالة تكتل ضد الدول الإفريقية التي تشاركها في نهر النيل بفروعه المختلفة.. لقد كانت على الدوام مطالبات متزايدة لبعض دول حوض النيل بإعادة النظر في الاتفاقيات القديمة، فقد هددت (تنزانيا وكينيا وإثيوبيا) بتنفيذ مشروعات سدود قد تقلل من كميات المياه التي ترد إلى مصر ما لم يتم تعديل اتفاقية المياه السارية اليوم.. لكن من حسن الطالع أن هذه التهديدات لم ينفذ أغلبها، وقابلتها القاهرة بمحاولات تهدئة وتعاون فني واقتصادي وأحيانًا تقديم مساعدات لهذه الدول. الشرق