مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاة يحاكمون الفن
نشر في الراكوبة يوم 26 - 04 - 2012


[email protected]
محاكمة عبقري الكوميديا العربية الذي حول الضحك الى فكر والإبتسامة الى فلسفة الفنان عادل امام انما تعد محاكمة هزلية للفن بكل صوره , وفي كل تاريخه , بل محاكمة للفن في العالم , لأن فن السينما والتمثيل من الفنون الحديثة التي تطورت مع تطور كاميرات التصوير والتلوين في العالم الخارجي وجاءت الينا مع تفتح عالمنا المنطوي على القديم ومع التمدن والتنوير كفن بصري له قدرة على حشد الاحداث المصورة مع الكلام والحوارات والموسيقى حتى وصل الى افلام الخيال العلمي فكان بابا لمعاهد الابحاث ولعلوم المستقبل , وبلغت جماهيرية عادل امام حدا لا سابق له وتغلغل صوته وصورته في ثنايا كل الطبقات الفقيرة والغنية وكل الفئات العمرية على اختلاف درجات الثقافة والمعرفة واطلق عليه لقب نجم الشباك الاول القادر على اخراج الناس من بيوتهم لمشاهدته في دور السينما والمسرح والقادر على اخراج الفلوس من جيوبهم على قلتها وندرتها في هذا الزمن .
قالوا في محاكمته الغيابية التي كانت من اسرع المحاكمات في التاريخ وفاقت المحاكمات العسكرية في ميادين القتال انه سخر من الدين وسخر من المتدينين , وفي ذلك مجافاة واضحة للصواب , وعكس صريح للحقيقة فلم نرى في أي واحد من أفلامه الكثيرة التي مثل فيها ادوارا ثانوية او ادوارا رئيسية انه امسك مصحفا وتحدث عما فيه بشيء يشي بالازدراء والاستخفاف مما يمجه او يكرهه المتفرجون ويشعرون بأنه يجرح مشاعرهم الدينية و يستخف بعقيدتهم الإلهية وإلا لما صنع هذه الكاريزما وهذه الثروات الجزيلة وهذه المكانة السامية في السينما , ولم نر ايضا أنه استهان بأي رمز من رموز الاسلام من شيوخ وائمة ومساجد وبيوت يذكر فيه اسم الله وأحاديث لنبي الاسلام او لخلفائه الراشدين , وإنه انما سخر من اهل العصر الحديث الذين رأهم وعاش بينهم ووتيقن من حقيقة افعالهم بالاسلام والمسلمين بحسبانهم قرامطة العصر من الارهابيين والمتعصبين وتجار الدين بعد ان بعد الاسلام عن مصدره وزمنه وبعد ان كثرت الفرق والاراء وزالت الخلافة من تركيا وجاءت الدول الوطنية والقومية , فلو كانت هناك سخرية تضحك الناس وتفضح من ضحكوا عليه , فهي السخرية الجريئة من الارهاب الذي هدد كيان الشعب المصري واقلق امنه وحياته وكاد ان يحطم اقتصاده ومستقبله كما هدد الشرق الاوسط في فترة من الزمن , فواجهه الناس بكل الاسلحة ومنها الاسلحة الثقافية وكان سلاح الضحك والسخرية مهما وفعالا في التهوين والالتفاف ومحاصرة قوة الارهاب وكشف خواءه الفكري وان التفجيرت يقوم بها اناس لا قداسة لهم ولا يمكن ان يقدسوا ويقوم بها خارجون على القانون لا فرصة لهم ان يصبحوا قدوة للتضحية والشهادة او نموذجا يتبع في التدين والايمان وان هم الا حفنة من المهرجين و التنابلة و المنبتين ثقافيا الذين ان لم يموتوا في تفجيراتهم فلن يكونوا في الحياة الا مدعاة لضحك المتفرجين الذين ينزعون عنهم بضحكهم كل مقام يريدونه عاليا او صوتا يريدونه مسموعا ومطاعا , وبما ان الكوميديا تشعر المتفرج وهو يضحك ويغرق في الضحك باحساس التفوق وتصنع مفارقاتها في اذهان الناس المنطق الصحيح الذي يصلون اليه باسهل الطرق وابسط الادوات , ويكون من اهم عناصرها النقد والتوجيه وتخفيف آلام الحياة فان افلام الفنان عادل امام قد صنعت الامل في نفوس فقدته وصنعت افكارا آنية كان الناس في اشد الاحتياج اليها لمواجهة الاحساس بالخواء وفقدان البوصلة في زمن يتغير بسرعة وشكلت دفاعا نفسيا ذاتيا لمواجهة انهار الدموع بالضحك .
لو ان الفنان عادل امام في ( كوميديته ) التي تصل الى حد الكاركتير والسوريالية لم يرتبط بالواقع بكل تناقضاته ومتضاداته , وناقش مسائل دينية مجردة ومباشرة كما يفعل ذلك بحرية كبيرة كتاب الرواية كما رأينا في الآيات الشيطانية للكاتب البريطاني سلمان رشدي او كما رأينا في فن الرسم من الهزء الصريح في الرسوم المسيئة لخاتم الانبياء والرسل لجاز لنا ان نصفه بالعابث بالاسلام المارق عليه لان الفنان في عالم السينما لايمثل لنفسه وانما لجمهور يستطيع ان يحاكمه وان يلعنه قبل ان ينتهي الفيلم , ولو ان الفنان عادل امام لا يعرض في مشاهده الا ( حالة ) او ( نموذجا ) عاما حيث لا تدخل الحالة او النموذج في قالب الكوميديا دون معالجة عقلية وفنية محايدة تجعل الصغير والكبير , المسلم والمسيحي , من تعلم في الازهر او جامعات الغرب , يشارك فيها وينفعل بها ويشعر انه جزء من الكل وقطرة في بحر زاخر من الضحك والفكاهة لجاز لنا ان نصفه بالعابث بالاسلام والمارق عليه والعميل الذي يؤدي ادوارا يختطها اليهود له , فهي تملى عليه بكرة وعشيا , ولكنه يقدم اعمالا خفيفة مضحكة لقضايا عاجلة وهامة تحتاج لتفكير وتأمل ولتركيز وحلول , وقام بعرض نماذجه وقصصه الاجتماعية بشكل محايد و هذا شرط ضروري من شروط فن الكوميديا حتى تتسع لكل الظاهرة دون تخصيص ودون تحديد يضيق ويقلل من مجال وانواع الضحك وينزعه من اعماقه ودليل ذلك الحياد , وهو ليس الدليل الوحيد, انه لم يتعرض في كل افلامه لاشخاص معروفين برموزهم او اسمائهم او صفاتهم مما يخرج موضوع ضحكه من حالاته العامة الساخرة الهزلية و التي تمكن بهذا من ايراد كل تفاصيل ودقائق ما يتحدث عنه والتي يمكن لها فقط بهذه الطريقة المتقصية جلب الضحك حتى لا ينقلب الامر الى حالات الهزء والتجريح والتشهير بالسمعة في حالات التخصيص والعمد , وليس ذلك من خصائص الكوميديا , التي نبعت اصلا من الدين كمحكاة تهدف الى التسلية والترويح وازالة الضغائن في نهاية الاحتقالات الاغريقية بالاله
( ديونيزيوس ) , والسخرية تابعة وجزء من اجزاء الكوميديا وتظهر في النكتة الشعبية التي تميز بها الشعب المصري الضاحك بل لا يوجد شعب لا يقول النكتة عن حياته ومعاشه ومكوناته وتظهر في الكاركتير الذي لا يحاكم احد من رساميه في المحكمة لانه اضحك الناس بجلباب هذا او لحية ذاك بل انك لا تضحك على كركتير خال من لمحة من لمحات التراث , وفي ذلك عطف ومودة لان التراث يوجد فيك ويعبر عن مكنونات ذاكرتك , ويجوز التفريق بين السخرية التي توجد في كل فن من فنون الضحك المرسومة والمتحركة والصامتة وبين الهزء او الاستهزاء الذي لا يحتاجه فن ولا يدخل في مكونات العمل الضاحك لانه تهجم على الاشخاص وسب وقذف في الاعراض وقدح وتبخيس لامور لا تعرض على خشبة مسرح ولا على شاشة سينما , فالسخرية هي فن القول كما نشاهد ذلك في افلام عادل امام او هي فن الحركة كأفلام شارلي شابلن ومن السخرية كذلك قول سقراط الحكيم اليوناني وهو يتجرع السم ويرد على تلاميذه الذين كانوا يراقبونه بألم ويقولون له " من المؤسف ايها المعلم ان تموت دون ذنب ارتكبته " فاجابهم " وهل تظنون ان الموت كان يمكن ان يكون سهلا لو كنت مذنبا " وكذلك سخر احد رجال الثورة الفرنسية من خصومه واضحك من يشاهدون اعدامه قبل قليل من اطلاق الرصاص عليه قائلا " رصاصة واحدة تكفي ودع الباقي لبرئ جديد . "
الذين حاكموا او يريدون محاكمة الفنان عادل امام عليهم اولا ان يحاكموا الجماهير الغفيرة التي ضحكت على مدى اكثر من ثلاثين عاما , وتدافعت بالملايين على المسارح ودور السينما , وانتظرت مسلسلاته في رمضان وفي ايام الاعياد وفي المناسبات العامة وعليهم ان يحاكموا ويعاقبوا باشد انواع العقاب الموجود كل الرؤساء والملوك والامراء الذين استقبلوا عادل امام ومحدوه وعظموه وامتدحوا فنه وعبقريته , ولماذا لم يشعر كل هؤلاء الناس بانه يسئ الى الاسلام طيلة السنين السابقة ؟ أ يكون ذلك لانهم كفار ؟ أ يكون ذلك لانهم مارقون واعداء للإسلام ؟ كل الشعوب العربية المسلمة تعادي الاسلام ؟ منذ متى ؟ نحن لسنا إذن امام جماعات تعادي وتكره الفن او امام جماعات تعادي وتكره الفنان عادل امام , فذلك رجل واحد , انما نحن امام جماعات تؤمن بتكفير المجتمعات العربية وتحاول جرها الى الصراعات المظلمة القديمة التي تتقنها وتتفن فيها وتستمتع بها أكثر مما نستمتع نحن بفيلم رجب فوق صفيح ساخن مثلا , المجتمعات العربية التي حملت الاسلام واستوعبته وهضمته واصبح ملتحما بها وذائبا فيها كما يذوب الملح في الماء والتي تثقفت بكافة انواع العلوم وشاركت الان في الحضارة لا تستطيع ان تفرق بين ان يكون عادل امام فنانا يعبر عن افكار ومواقف وبين ان يكون مسيلمة الكذاب حتى يأتي بعض ارباب المطامع الدنيوية والمتعصبين ليقولوا لنا من هو عادل امام في المحكمة ؟ الشعوب العربية هي التي تحكم على الفن وعلى الفنانين بآلياتها الذوقية والفكرية وبحسابات الربح والخسارة وليس المحاكم بالقوانين الجنائية وقوانين النظام العام التي يقدم لها الافراد وليس الفنون .
خالد بابكر ابوعاقلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.