[email protected] عادت قضية مذبحة بيت الضيافة الى السطح مرة أخرى . و لا أدري لماذا . و هذه القضية اثيرت في سودانيز اونلاين قبل أكثر من عشرة سنوات . و لقد قتلناها بحثاً في سودانيات . و قام الغالي /خالد الحاج رحمة الله عليه ببذل جهد خرافي . و سافر إلى عدة دول وأجرى مقابلات مع الكثيرين . و يمكن ان يعود اي انسان لسودانيات . 1- لقد حاول الكثيرون بتدبيس هذه المجزرة فى الحزب الشيوعي السوداني . أما كرهاً في الحزب الشيوعي السوداني و الشيوعيين و الاشتراكية ، أو لتبرير قتل زعماء الحزب الشيوعي السوداني بدم بارد . و هم من المدنيين . 2- ليس هنالك اي قانون يمكن ان يدين انسان بتهمة جريمة، كان هو أو هي متواجداً في قارة أخرى . فبابكر النور و فاروق حمدنالله كانا في لندن عندما وقع الانقلاب و حدثت المجزرة . و بهذه المناسبة يمكن ان اقول ان زعم وجود الدكتور محمد محجوب عثمان شقيق عبد الخالق محجوب في تلك الطائرة خاطئ . لأن محمد محجوب كان مع شقيقته فاطمة في ألمانياالشرقية . و فاطمة كانت تتلقى العلاج. 3- في سنة 1970 اعتقلت ثم طردت من تشسلوفاكيا . و كان بيني و بين الشيوعيين في براغ ما صنع الحداد . و أتهمت بأنني عميل للمخابرات الامريكية . و هذه التهمة ذكرها السفير مصطفى مدني ابشر لابراهيم مجذوب مالك رحمة الله عليه عندما حضر زائراً لبراغ . طلب من مصطفى مدني ان يساعدني لأنني طردت من الجامعة بسبب الاضراب و الاعتصام و قيادة مظاهرة . فقال مصطفى مدني ابشر الذي صار وزير للخارجية : ( المشكلة دلوقت مش الجامعة ، المشكلة شوقى متهم بأنه عميل للسي اي ايه ) . مصطفى موجود الآن و زملاء براغ موجودين بالمئات . و انا لم اكن شيوعياً و لن اكن شيوعياً . و لكني احترم الشيوعين واحترم تفانيهم وحبهم للسودان . و بعدهم عن الفساد و حب و المال . و لهم غلطاتهم . منها اغتيال شخصية الآخرين ، و محاولة تحطيم من اختلف معهم . انا هنا انسان محايد . 4- الحزب الشيوعي السوداني ليس له اي دخل بمذبحة بيت الضيافة . و انا اقصد بالحزب الشيوعي السوداني ، القيادة و المكتب السياسي و اللجنة المركزية و تنظيم مديرية الخرطوم و القيادة العمالية و كوادر الحزب . ليس لها اي دخل في المذبحة . و لم يصدر الحزب قراراً بارتكاب تلك المجزرة ، لأنه لم يكن هنالك ما يكفى من الوقت لأصدار قرار . فهل اذا صدر عمل مشين من احد اعضاء الحزب الاتحادى او افراد يتهم كل الحزب الاتحادى . فيا عالم كيف تفكرون ؟ . 5- الاحزاب الشيوعيه لا تؤمن بالانقلابات . او ما يعرف سياسياً ب ( بوش ) . و ان الثورة عملية تفاعلية طويلة المدى . و لقد اخطأ الحزب الشيوعي منذ البداية في عدم كشف انقلاب القوميين العرب بقيادة القاضي بابكر عوض الله مد الله في ايامه . و أكتفوا بالاعتراض قائلين ان هذا الانقلاب اذا فشل ، فسيعرض القوى الديمقراطية و التقدمية لمخاطر . و لقد ذكر بابكر عوض الله قبل فترة في التلفزيون ، أن الشيوعيين لم يكن لهم دور في مايو . 6- كان هنالك جزء كبير من الحزب الشيوعي السوداني و اللجنة المركزية يعارض الانضمام الى حكومة مايو . و كان الحزب الشيوعي في مواجهة دائمة مع مايو . بل كانوا ضد فكرة تأميم الراسمالية الوطنية . و عبد الخالق كان يستهذئ بمايو و يقول : (ايه معنى تأمم ليك مصنع شعيرية ) . و لهذا اعتقل عبد الخالق و ارسل الى مصر كسجين . ثم ارجع للسودان و سجن بمعسكر الشجرة . مايو كانت قومية عربيه ( مصرية ) . 7- عبد الخالق كان مسجوناً في معسكر الشجرة . و هرب من معسكر الشجرة و كان مختبئاً في القصر الجمهوري عند الظابط ابو شيبة . و خطط للأنقلاب و هذا خطأ . و عندما نجح الانقلاب قال عبد الخالق : ( انحن من زمان نقعد نخطط و نقرأ و نتعلم . أتاري السلطة دي سهلة كدا ) . و للأنسان الحق ان يتسائل هل كان عبد الخالق طالب سلطة ؟. 8- التصرف العقلاني في تلك الفترة، كما كتبت من قبل ، هو ان يدعو عبد الخالق لرجوع الديمقراطية . وتسليم السلطه للحكومه التى اطاحت بها مايو. وكان هذا التصرف سيكسب الحزب الشيوعي شعبية لن تنتهي ابداً . لأن خروج الشيوعيين بالاعلام الحمراء و الشعارات الشيوعية الماركسية لم يكن و لا يزال مرفوضاً في السودان . و ليس للحزب الشيوعي السوداني الجماهير التي ستسنده . و إذا نجح الانقلاب بصورة تامة ، فكان سيكون مواجهاً بأن يقوم بقمع و التنكيل بالشعب السواني ، ليستمر في الوجود . 9- لقد حدثت مجزرة في بيت الضيافة . هذه حقيقة . و حتى اذا كان الذين نفذوا المجزرة هم احمد جبارة و الحردلو تحت أوامر ابو شيبة ، فهذا تصرف فردي . فلماذا يعاد عزف اسطوانة الحزب الشيوعي السوداني . لقد عارض الشفيع و الآخرون فكرة الانقلاب . و عندما ذهب الاستاذ غازي سليمان للشفيع طالباً منه كتابة البيان ، رفض الشفيع و قال له : ( و هاشم وقت ما قادر يكتب بيان ، عامل انقلاب ليه ؟ ) . و لقد علق على البيان الذي كتب فيما بعد ، قال انه اسلوب عبد الخالق لأنه يشمل عبارات عبد الخالق مثل (قبض الريح ) ... الخ . 10 – سعد بحر رحمة الله عليه ، كان من الظباط الذين اتوا من مصر . اشهرهم اولاد عبد الحليم محمد و أحمد ومحمد الحسن الذى اعدم عبد الخالق . و الجميع ، ان لم يكن اغلبهم كانوا عملاء للمخابرات المصرية . فأولاد عبد الحليم دخلا الكلية الحربية في مصر لأن والدهم السوداني كان جنايني في قصر حيدر باشا ، رئيس الجيش المصري . و لقد طردا من الخدمة لأشتراكهما في أول انقلاب نظمته المخابرات المصرية في السودان في سنة 1957 بقيادة كبيدة . و طردا من الخدمة . و كانت أول قرارات مايو هو ارجاعهما للخدمة و انفتح الباب و دخل اولاد عبد الحليم بلبسهم الرسمي و برتبهم الجديدة .وهذا يتعارض مع قانون الجيش لان الضابط الذى يبعد لمدة اكثر من سنتين لا يرجع للجيش . 11- اذا كانت هنالك اي ادانة للشيوعيين بطريقة مباشرة ، لتكلم سعد بحر .فسعد بحر كان احد ضحايا بيت الضيافه ، الا انه لم يمت . سعد بحر كان من اقرب اصدقاء نميري . و في زواجه كان من المفروض ان يغني الفنان الكبير الكابلي . و لأن الكابلي كان مشهورا بأنه يخلف بوعوده ، فلقد اخذ جعفر نميري صنف عساكر و كردن بيت الكابلي في بانت. حتى يضمن عدم هروبه . اذاً لماذا لم يقل سعد بحر و لم يشر ابداً الى من ارتكبوا المجزرة .و اذا كان تقرير القاضي علوب يدين الشيوعيين ، ادانه واضحة و صريحة ، لقام نميري بتدريس ذلك التقرير في مدارس الاساس . اذا لماذا صرف الجهد و المال على تقرير لا ينشر . 12- سعد بحر تسبب في قتل جندي مسكين و اتهم بأنه قد شارك في عملية القتل . و جريمة الجندي انه قد أهان احد الظباط في ايام الاعتقال . و سعد بحر قد قال بأنه لم يشاهد ذلك الجندي . و لكنه سمع صوته . و طلب سعد بحر من الجندي ان يردد كلمة : ( ولد الكلب ... و لد الكلب ) . فقال الجندي : ( ود الكب ود الكب ) . فأدغم الجندي اللام في الكلمتين كعادة بعض أهل غرب السودان . فقال سعد : ( اي ياهو دا ) . فحدثت جريمة اعدام الجندي المسكين من غرب السودان . 13- الشخص الوحيد الذي يمكن ان اثق انا بكلمته ، هو الظابط حسن عماس . فحسن عماس كان بطلاً في كل حياته . كما كتبت قديماً، كان احد الناس الذين تقابلهم و تتمنى لو انك انت هو . كان شحنةً من الطاقة . يعطيك احساس بأنه سينفجر . بسبب الطاقة المخزونه فيه . و في نفس الوقت كان مؤدباً عفيفاً . كان منزلهم في العرضة يفتح على الركن الجنوبي الشرقي لمدارس الاحفاد . و كان من اسرة ميسورة الحال . إلا انه لم يكن ابدا من ما عرف بأولاد المصارين البيض . و منزلهم كان في نفس المربوع الذي فيه منزل منزل الكابتن قاقرين و شقيقه النرب . كنت اشاهده كثيراً لان اختي فاطمة بدري تسكن جارتهم . الظابط حسن عماس فاز بكل الجوائز الرياضية في دفعته في الكلية الحربية . و كان منذ صغره متميزاً في كل انواع الرياضة . و كان من الملاكمين الجيدين في نادي المريخ . و كانوا مجموعة مترابطة منهم مصطفى حلاوة و حيدر الذي تزوج حسن شقيقته فيما بعد و حسن آخر ، كان يدربهم محمد ألفى و يساعده نصر جبارة الذي صار مدرباً لنادي المريخ فيما بعد . كنت اشاهد حسن كثيراً في النيل . كان سباحاً ماهراً . و أذكر انني في فترة الصبا قد ذهبت مع صديقى عبد الله ناصر بلال الذي صار مديراً لنادي القوات المسلحة فيما بعد ، و وجدنا حسن عماس في السابعة صباحاً و معه صديق و هم يسبحون في النهر في المنطقة التي كانت مخصصة لاولاد العباسية والسروجية والسرداريه ، و هي الصهريج القديم شمال الطابية . و لم يكن هنالك من غير اولاد العباسية من يجرؤ على السباحة هنالك . و لكن حسن كان لا يهاب اي انسان و يفرض احترامه على الآخرين . و حسن كان فارساً و له اخلاق الفرسان و كان يبدو و كأنه أحد شخصيات الروائي الالكساندر دوماس . في الوقت الذي ارتكبت فيه مجزرة بيت الضيافة أتى تلفون لحسن عماس لأنه كان مسئولاً عن المعتقلين في الأمن . فجلس و قال (و الله الليله دي الزول يشرب ما يروى ). و وضح للمعتقلين انه قد اتت اوامر بقتلهم إلا انه لن ينفذها . و تقدم نحو اقدم المعتقلين و قال له ( قود لك لقد فزتم علينا ) . و سلم سلاحه كاحد الفرسان لأنه كان فارساً . اللواء الذي شهد في التلفزيون ان احمد جبارة قد طلب من الحردلوا ان يطلق الرصاص على المعتقلين ، و لكن الحردلو تردد فوجه احمد جبارة فوهة رشاشة نحو الحردلوا و بدأ اطلاق النار . لا اعرف لماذا صمت الجنرال كل هذا الوقت . و الحقيقة ان شخصية احمد جبارة كانت مثيرة للكثير من الجدل . انا عشت مع محمد محجوب عثمان اربعين شهراً تحت سقف واحد . و هي الفترة ما بيت 92 و 96 . محمد محجوب قد شارك في انقلاب 1959 و الذي اعدم فيه على حامد و البديع و آخرون . و حكم عليه بالسجن المؤبد . و كان لصيقاً بأبوا الدهب و أحمد جبارة ، الذي كان يسمي نفسه تشي جبارة تيمناً بالثوري تشي جفارا ، الطبيب و الثائر الارجنتيني . و حسب كلام محمد محجوب فأن احمد جبارة رجل طيب و ود بلد بسيط . إلّا انه كان عنيداً يحب المقامرة و المواجهات . و حتى في الحفل الذي اقيم لهم بعد خروجهم من السجن في اكتوبر ، اصطدم بأحد المدعوين في الحفل و أصر على الجلوس في الخارج و طالب بأن يأتي الشخص الذي اختلف معه لكي يعتذر له . و جلس في الخارج و لم ينضم للحفل بالرغم من ان هذا الحفل كان في عز الشتاء . و المعروف ان احمد جبارة قد قابل الموت بشجاعة . و هذا ما فعله الجميع في تلك الفترة . كتب محمد محجوب كتابة الذي تعرض لكل تلك الفترة . و لقد قرات انا الكتاب بعد ان راجعته مرات عديدة مع محمد محجوب . و أخذته الى القاهرة الى الاستاذ حيدر ابراهيم فى 1997 , و تم نشر الكتاب . 14 – كنت ابحث عن الفارس حسن عماس لكي اسأله عن حوادث 19 يوليو . فلقد كنت اذكره كثيراً في زيارتي لأخي رحمة الله عليه عبد الله فرح في الامارات . و كنّا نتذكره كأنسان اخو اخوان و شجاع . و ذكر عبد الله انه بعد زواجه بفترة و هو في العشرينات ، أحس بوعكة . و اصر حسن عماس الذي كان جاره ان يقضى معه كل الليل . و رفض ان ينام الى الصبح . و كان يريد ان يكرر ذلك ، الّا ان عبد الله رفض . في مساء يوم في سنة 1988 ، وفي العرضة وجدت حسن عماس أمامي . و لم يكن قد تغير كثيراً و كان جسمه لا يزال متماسكاً و قوياً . و لاتزال نظراته مغناطيسية و مليئة بالعزيمة . و كان يمتطي دراجة هوائية ( بسكليت ) ويحمل بعض القش . و عرفت انه يسكن في امبده . و وصف لي منزله (بالبيت العلى ايدك الشمال مع بداية الردمية . فيهو لبلاب) . و ذهبت ثلاثة مرات بحثاً عنه و لم اتعرف على المنزل لأنني كنت اذهب في المساء . و الآن قبل ايام كلفت قاضي مشهود له بالامانة و الوطنية بأن يتصل به . و أظن ان الرجل الوحيد الذي يمكن ان يقول ( كلام رجال ) هو حسن عماس . كانت هنالك روايات كثيرة تحكى عن مشاركة حسن عماس . و سمعت انه هو الذي قال لنميري( ارفع ايدينك ما كنت رافهم طوالي ليك سنتين ) . و عندما تكاسل نميري ضربه على ظهره و قال (له ارفع ايدينك سمنت كدا و بقيت تشبه ماو ). و سمعت كذلك انه عندما عمل في أمن فندق الهيلتون ، ان نميري شاهد حسن عماس فجأة عندما فتح باب المصعد و ارتجف النميري . و الحقيقة ان لحسن عماس عيون لا ينساها انسان و له نظرات رجولية . و عندما سأل النميري ( دا الجابو هنا شنو ) اخبروه انه يعمل هنالك . و كان هذا اثناء مؤتمر القمة الافريقية . و قال نميري ( لحدي ما المؤتمر ينتهي ما عاوز اشوفه ) . حسن عماس لا يخاف و لا يمكن شراؤه . و إلا لما كان يركب عجلة في سنة 1988 . عندما كان الكثير من زملائه قد صاروا من الاغنياء . التحية ع. س. شوقي بدري