ما بين التغيير الجذرى والشكلى عثمان نواي [email protected] على خلفية شهر من الاحتجاجات المتواصلة فى مدن مختلفة من السودان وخاصة الخرطوم , انشغلت القوى السياسية فى جدل مستمر حول النظام البديل للنظام القائم . وهذا الجدل قد زادت من حدته وثيقة البديل الديمقراطى التى تم التوقيع عليها قبل ايام , والتى وقع عليها اعضاء قوى الاجماع الوطنى . وعقب نشر فحوى الوثيقة ثارت النقاشات فى الاوساط السياسية حول مدى ارتباط الوثيقة على الاقل باسمها " البديل " وايضا مدى استعابها للواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى والامنى المعقد الذى تعيشه البلاد فى الوقت الراهن . ورغم الترحيب الذى حظيت به الوثيقة من قبل عدد من القوى السياسية , الا ان بيانات الترحيب المنشوره لم تخلو من النقد الذى يتفق فى معظمه مع اشرنا له فى مقال سابق لنا بعنوان " وثيقة البديل اليمقراطى بين الاقصاء والاستغباء " , وكنا قد اشرنا الى نقاط اساسية اتسمت بها الوثيقة وهى الابوية , والاقصائية التى ستؤدى الى تكرار اخطاء وتجارب الماضى , والتجاهل والتقليل لقوى اساسية فى الوضع السياسى الراهن ومطالب تلك القوى فى التغيير الجذرى للسودان , مثل قوى الهامش والشباب والنساء . ويبدو ان ما اثارته الوثيقة من جدل انما يمثل حالة الانقسام الفعلى فى الخارطة السياسية والاجتماعية السودانية بين المتطلعين الى تغييرات اكثر راديكالية , تحدث قطيعة تاريخية مع معظم تجارب الماضى وخاصة المركزية الاستقصائية , وبين المتطلعين الى احداث تغييرات يمكن وصفها بانها شكلية وشديدة السطحية ومحافظة بقدر يلغى احيانا احتمالات احداثاها لاى نوع من التغيير الحقيقى ولو بقدر صغير . ووثيقة قوى الاجماع فى معظم بنودها تنتمى الى هذا التغيير الخجول , مما يضع القوى الموقعة عليها فى مواجهة مع مجموعات وقطاعات من المجتمع السودانى سئمت التعامل بخجل مع قضايا السودان المتشابكة واللزجة واولهم الشباب الذى لا يتوانى عن مواجهة النظام فكرة بفكرة وكلمة بكلمة على مدار شهر كامل الان . نهاية عصر التردد : ان الشباب الذى يدعو الى الاحتجاجات ويقوم بتنفيذها , يتحدى بشكل مثير للاهتمام ليس فقط النظام ورموزه الذين يحاولون التقليل منهم ووصفهم بمختلف الاوصاف الاستفزازية , بل ايضا يتحدى اجواء من العقلية والنفسيىة السودانية التى تتسم بالخجل المخل فى التعبير بفخر عن الثقافات السودانية وخاصة للعالم , فكثيرا ما عزى الكثير من الكتاب السودانيين والمبدعين قلة انتشار الابداع السودانى لعدم فهم الشعوب الاخرى وخاصة " الدول العربية " للعامية السودانية , ولكن الشباب السودانى وهو يعلم ان العالم اجمع يتابع ثورته فى احدث وسائل التواصل ابتاداءا من التويتر الى القنوات الفضائية , ولكن ذلك لم يثنيه عن ان يسمى جمعاته بالكتاحة ولحس الكوع , وها هى الجمعة القادمة تدخل الى عمق التاريخ السودانى وتحى الكنداكة وتدخل الى عالم اللهجات واللغات السودانية المتعددة . وفى ظل هذا الانفتاح والتعبير الجلى الواضح عن سودانية جديدة لا تخشى تفردها وتنوعها وواختلافها , تضيق الشقة على دعاة التغيير السلس والتفاوضى الذى دعا اليه " الصادق المهدى " والذى يعيش الان تناقضا جدليا اخر اعتاده طوال مسيرته السياسية , فبينما يثور شباب ونساء الانصار يتلعثم الامام , ويواصل ادعاء الحكمة المتعمقة , ويقول لرويترز " انه يخشى ان يتكرر سيناريو سوريا وان يستعمل النظام القوة ضد المتظاهرين ". ان النظام بالفعل يستعمل القوة ضد المتظاهرين , ناهيك عن ان النظام منذ 23 عاما وهو يقصف قرى المدنيين وهم نيام , وهكذا تناقض فى الرؤية واهتزاز فى المواقف اصبح من انواع الخطاب السياسى الذى لايقبله الشعب السودانى , فلا الشباب خرجوا لان الصادق امرهم ولن يتوقفوا بامره , ولا الشعب الصامت الى الان ايضا اضحى ياتمر بمن صمت عن الدفاع عنه فى وقت الحاجة وتلكأ عن اتخاذالمواقف الشجاعة . والصادق يصر على على الدفاع عن موقفه كحكيم للامة بالقول : حسب جريدة سودان تريبيون الصادرة الخميس 12 يوليو , قال فى تصريحات لرويترز " اننا ملتزمون بالتغيير إلا أننا نعتقد انه ممكن انجازه عن طريق الضغط وتجنب اراقة الدماء . فنحن لسنا بمترددين بل اننا اكثر دراية وخبرة ونعرف جيدا قواعد اللعبة" , ولكن مصير شعوب السودان ليس لعبة فى احد بل كما تتجلى الاحداث انه فى يد هذه الشعوب وحدها . تعدد البدائل وتحديات المرحلة : تعددت الرؤى حول البديل حيث هناك الان وثيقة الاجماع الوطنى وهناك وثيقة الجبهة الثورية حول النظام فى الفترة الانتقالية والتى طرحت منذ شهور عديدة , وربما هذا الانقسام ينبىء بفعلية اعادة تاريخ السودان مرة اخرى حين وعلى الرغم من انتفاضتى 1964 و1985 , الا ان الحرب فى جنوب السودان وقتها لم تتوقف , ولم يشارك حاملو السلاح فى الحكومة الانتقالية , وتم التعامل معهم كمتمردين بمثل ما عاملتهم النظم التى ازيحت , هذا ما يبدو الوضع الحالى فى الطريق اليه , اذا لم تتمكن القوى السياسية فى المركز الممثلة فى قوى الاجماع , وقوى الجبهة الثورية والحركات المسلحة من التوصل سريعا الى ارضية مشتركة تقر بالدور الذى على كل القوى السياسية القيام به لاحداث التغيير المنشود فى البلاد , وهكذا اتفاق , يحتاج الى فى الاساس الى ارادة سياسية قوية ورغبة فى تجاوز الخلافات بصورة تراعى مفصلية اللحظة التاريخية واهمية الوصول الى رؤية واضحة فى الاساس حول مصير السودان والحوار بجدية لايجاد الحلول الجذرية لازماته التاريخية , ورغم صعوبة وازدواجية المهمة فى النظر بعمق فى الماضى والمستقبل فى ان معا لتقرير طبيعة التحرك فىها للحظة الراهنة الا ان الشعوب التى تحمل اوزارا تاريخية ومكبلة بخسائر بشرية ونضالات والام مثل السودان فان مسيرتها للامام لن تكون سهلة وعلى القادة فى هذه التنظيمات والقوى السياسية ان يعوا هذا التعقيد وصعوبة المرحلة . تقدمت مجموعة من القوى السياسية كما اسلفنا بالنقد لوثيقة قوى الاجماع الوطنى , وخاصة القوى السياسية من الهامش , والقوى الشبابية , وقد بدأ كل من الجانبين اقتراح بدائل خاصة به , تحاول تجاوز وثيقة قوى الاجماع والاخطاء والثغرات التى وقعت فيها , وهذه الوثائق والدعوات الى تشكيل نظام بديل قائم على تجاوز الازمات السودانية المختلفة من حروب وتهميش وجرائم حرب وابادة وازمات تعايش وانفتاح على الاخر اضافة الى النفق السياسى والاقتصادى المظلم الذى تسير فيه البلاد بلا امل فى الخروج منذ عقود والذى ادى الى الفقر والتخلف والفساد , ولتجاوز هذه الازمات , فان ثورة حقيقية فى كافة مجالات الحياة يجب ان تعم البلاد فى شجاعة تامة لمواجهة مازق السودان التاريخى , والذى يجب ان تتخذ القوى السياسية المختلفة خطوات حاسمة لاخراج البلاد منه . http://osmannawaypost.net/ [email protected] https://twitter.com/OsmanNawayPost " - - - - - - - - - - - - - - - - - تم إضافة المرفق التالي : 93.jpg