[email protected] في سماء صحافتنا السودانية ثمة غث و سمين .. ثمة صِدْقٍ و مَيْن (كذب) .. كانت بدءا الصحافة الورقية .. يقلب صفحاتها المتلقي فلا يكون رد فعله إلا لغة جسدية محضة .. تارة بإعجاب و أخرى بضدها و لكن قلما يتفاعل الكاتب مع القراء على نحو ما تتيحه الصحافة الإلكترونية .. اكتسب المعلقون دراية و احترافية عالية مكنتهم من الوقوف على لونيات و دوافع الكُتاب الراتبين و كانوا و لا يزالون بمثابة بوصلة يهتدي بها الضال من الكُتّاب و يشحذون همم آخرين .. و لكوني أكتب .. فأنا ملمة عارفة بمحفزات و مثبطات العمل الكتابي .. فرب تعليق يرفع بك إلى عنان السماء و آخر يقصف بك إلى باطن الأرض .. دون أن أقصد أن الكاتب يكتب لأجل أن يسترضي قراءه .. فذاك أسلوب رخيص .. و لكنه يكتب ليدعم فكرة .. ليكشف مستور .. ليحذر عن قادم في باطنه شر كثير .. ليحلل .. ليضع الحقيقة على نحو يلمسه المتلقي و آخر كثير. ما لا يعرفه القراء .. أن الكتابة أمر معتاص و مركب صعب سيما إن كانت كتابة راتبة على نحو يومي لسنوات .. إنه مخاض حقيقي .. فرب كلمة شاردة تجر عليك شريط الليل بأكمله .. و إن ما بين بذرة فكرة الكتابة و ميلادها لصراع و احتراب يعانيه الكاتب و معينه هو الأمل بأن يلقى ذلك المكتوب قبولا تشهد به إحصاءات القراءة و التعليقات سواء كانت مادحة أو قادحة تماما كما تتحرى النسوة إن كان ما طبخنه في الوليمة قد لاقى استحسانا فأُكلَ أو رُدَّ فيحفزهن الاستحسان و يقعدهن الردُّ لطبخ آتٍ. الأستاذ البرقاوي أثرى قبل الصحافة الكترونية كل الساحة الثقافية .. أثراها أدبا فنا و قصيد .. حتى مشى يتغنى بشعره غير فنان .. تقرأ للبرقاوي فتتوزع بين جمال اللغة و سلاستها و قوة الحجة راسلته مرات و مرات استرشدُ بخبرته و استنير بعلمه و معرفته في مجال الصحافة .. فوجدته رجلا سودانيا قحا .. وجدته أبويا يبذل نفسه للآخر بسخاء غير محدود .. أقول حقيقة جنحني و أفرد لي مساحة للطيران في سماء الكتابة. أقول آمرة غير طالبة .. لا لن نرضى فنحن القراء لمّا يحين وقت فطامنا من مقالك بعد سيما أن المنعطف جد خطير و الساحة تريد حنكة و دراية لديك منهما الكثير .. قد نستعذرك ليوم أو اثنين بحسب ما يقتضيه الحال و الأشغال و لكنا لن نعفيك فأنت كما النيل .. ملك لنا و لا تملك ذاتك إلا أن تجري يا سليل الحياة.