أقر رئيس لجنة التشريع بالمجلس الوطني أن الأحزاب السياسية متفقة على الدستور الاسلامي بما فيها الحزب الشيوعي السوداني. وهذا كذب وادعاء باطل. فالحزب الشيوعي لم توجه له دعوة اصلاً للمشاركة في وضع دستور إسلامي ناهيك عن موافقته عليه. ليست هذه هى المرة الاولى التي يفترون عليه كذبا في ظل هذا النظام. ففي الحادي عشر من نوفمبر 1997م، كشف عباس الطاهر النور مقرر اللجنة القومية للدستور أنهم اتصلوا بكل الكيانات السياسية ولم يعتذر احد إلا الحزب الشيوعي. فالخيارات التي كانت مطروحة كأساس للدستور وفقا لتصريح عباس الطاهر كانت تتمثل في: المؤتمر الوطني المحسن او التعددية المقننة او الموائمة بين نظامي التعددية والمؤتمرات وهى الخيارات المتاحة على حد قوله. وكشفت صحيفة البيان الامارتية الصادرة في 20/5/1998م وقائع الاجتماع الذي تم بين وزير الدولة بالخارجية الالمانية لدى زيارته للخرطوم ببعض رموز المعارضة الداخلية بمنزل السفير الالماني. وشارك في ذلك الاجتماع احزاب الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوداني وحزب الامة وكلها احزاب محظورة. بجانب ممثلين للنقابات المهنية. في ذلك الاجتماع الذي استغرق اربع ساعات ودار حول الدستور ومستقبل الحكم في السودان والمصالحة بين الحكومة والمعارضة وتبادل السلطة سلمياً. اكد الوزير انه التقى الفريق البشير و د. الترابي وعلي عثمان محمد طه. وتم اطلاعه على مسودة الدستور واستعداد الحكومة لعقد مؤتمر جامع لحل كل مشاكل البلاد. وأكد ممثلو المعارضة من جانبهم اهمية الوصول الى حل يحفظ السودان ووحدته ويحقق طموحات المواطنين. وطالبوا في هذا المنحى بأن تعلن الحكومة التعددية السياسية واعادة الحزبية وفقا لمبادئ الديمقراطية وهى حرية الرأي والقضاة والصحافة.وعندما قال لهم الوزير الالماني انه يمكنهم الان اعلان تنظيماتهم السياسية كان ردهم بأن الحكومة تسعى بهذا الوعد للخروج من الازمة الحادة التي تحيط بها. وحالما تنفك الازمة ستلجأ الحكومة لممارساتها القمعية مرة أخرى. وهذا ما حدث فعلاً. لقد كان موقف الحزب الشيوعي من الدستور والكيفية التي يوضع بها واضحاً منذ أول جلسات برلمان ما بعد الاستقلال والذي اعلن فيه نائب الحزب الشيوعي السوداني الاستاذ حسن الطاهر زروق- رحمه الله- ان البلاد تحتاج الى دستور ديمقراطي يضمن حرية التنظيم الحزبي والنقابي وحرية الاحزاب والاجتماعات وحرية الرأي والصحافة والتبادل الديمقراطي السلمي للسلطة، دستور لا يفرق بين المواطنين بل يحترم معتقداتهم الدينية والثقافية صرف النظر عن العرق أو اللغة او الجنس. وكانت هذه هى المبادئ الاساسية الاولى التي بنى عليها الحزب موقفه من دستور المواطنة. وارتفع صوت النائب الشيوعي في مجلس النواب في اغسطس 1955 عند مناقشة تقرير المصير في البرلمان قائلاً " اننا نريد في المكان الاول ان نقيم في بلادنا حكماً ديمقراطيا يمثل المصالح الكبرى للشعب على اساس النظام الجمهوري البرلماني. نريد مصيراً نطلق فيه الحريات الديمقراطية. وفي يد المجلس ان يغير الوضع التشريعي وقانون عقوبات السودان وقانون التحقيق الجنائي الذي صفدنا به الاستعمار. والمصير الذي نريده لبلادنا يجب ان يكفل لكل المواطنين من زراع وعمال وموظفين وطلبة و أرباب حرف ونساء مستوى لائقاً من المعيشة والحقوق الديمقراطية فهولاء هم العنصر المتطور صاحب المستقبل في بلادنا وهم صانعو تاريخه.(راجع كتاب الاستاذ محمد سليمان: اليسار السوداني في عشر سنوات ص 137) لقد أعلن الحزب الشيوعي موقفه الواضح والمساهم في النص الكامل لمؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية وما ويجب أن يكون عليه دستور البلاد الذي اخره المؤتمر في 23/6/1995 وجاء فيه: اولاً: ان كل المبادئ والمعايير المعينة بحقوق الانسان في المواثيق والعهود الاقليمية والدولية لحقوق الانسان تشكل جزءاً لا يتجزأ من دستور السودان وأي قانون أو مرسوم أو قرار او اجراء مخالف لذلك يعتبر باطلاً وغير دستوري. ثانياً: يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساُ على حق المواطنة واحترام المعتقدات و التقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين او العرق او الجنس او الثقافة ويبطل أي قانون يصدر مخالفا لذلك. ثالثاً: لا يجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس على اساس ديني. رابعاً: تعترف الدولة على تحقيق التعايش السلمي والمساواة والتسامح بين الاديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان وتمنع الكراهية أو أي فعل أو اجراء يحرض على أثار النعرات الدينية والكراهية العنصرية في أي مكان أو منبر أو موقع في السودان. فلو لم يشذ حزب المؤتمر الوطني ورفض بكل صلف أن يتوافق مع كافة احزاب السودان لما انفصل الجنوب ولكان حال البلاد غير ما هى عليه الان من احزاب وصراعات وفشل في الاقتصاد وكافة مناحي الحياة. ومع ذلك لم يستفد الحزب الحاكم من دروس و عبر التاريخ وجدد الان دعوته الى حكم البلاد عبر دستور إسلامي. لقد أكد الحزب الشيوعي في مؤتمره الخامس ماجاء في القضايا المصيرية في اسمرا مسترشداً بالمنهج الماركسي في قراءة الواقع ومتطلباته. وقدم على ضوء ذلك المنهج مبدأ االامركزية والحكم الذاتي الاقليمي والتنمية وتقرير المصير لجنوب السودان على سبيل الحل الديمقراطي للمسألة القومية وانهاء التهميش في كل مناطق البلاد. وحدد أن حل قضية البلاد تكمن ضمن القضايا الاخرى في وضع دستور ديمقراطي يضمن الحريات السياسية والنقابية وقيام دولة المواطنة المدنية. ووضع حد لكافة اشكال التمييز ضد المرأة. هذا هو الموقف التاريخي للحزب من قضية الدستور. وهذه هي رؤيته التي لنا يحد عنها. وهى استقراء لواقع السودان وتجارب شعبه خلال نضاله الطويل ضد الاستعمار وفي ظل كافة الحكومات التي سيطرت على البلاد. الابتعاد عن هذه الحقائق واغفالها والتمترس حول مقولات عفا عليها الزمن والتصور لدستور يستند الى مئات القرون، رؤية فاصرة لا يجمعها جامع مع حقائق وواقع العصر واحتياجاته ومطلوبات شعب السودان في حياة حرة كريمة تراعي التعدد الديني والثقافي واللغوي الذي تذخر به حياة مواطنيه. من هذا المنطلق فأن الحزب الشيوعي لن يشارك في دستور تضعه مجموعة منتقاه من حزب المؤتمر الوطني الحاكم او يختارهم رئيس الجمهورية بعد معرفة تامة لفكرهم ومبتغاهم من الدستور. فأي دستور يوضع من وراء ظهر الشعب السوداني ودون مشاركته لن يكتب له البقاء. المؤتمر القومي الدستوري الذي يجمع اهل السودان جميعاً عبر احزابهم ومنظماتهم المدنية الاخرى هو الذي يستطيع وضع هذا الدستور ومن ثمة عرضه للاستفتاء عليه في جو حر ديمقراطي يتمتع فيه كل مواطن بحرية التعبير دون حجر من قوانين مقيدة لحرية الرأي والتعبير. الميدان