.. [email protected] في سبعينيات القرن الماضي ،وبينما الرفاق الصينيون منهمكون في تركيب ماكينات مصنع الصداقة للنسيج بالحصاحيصا ، وقد حرّزوا شونة الأخشاب الضخمة التي افرغت من محتوياتها واعدوها في زريبة ظنوها آمنة في اياد ابناء الوطن من الحراس بغرض تسليمها للحكومة السودانية لبيعها في مزاد يعود ريعه للصالح العام ، وهي كميات بالأطنان، ليكتشفوا أنها قد سرقت بالتقسيط المريح من منطلق أن مال الحكومة ( هامل ) في عرفنا لاصاحب له ! فبكى الصينيون وكانوا في نسختهم الشيوعية القديمة وقتها واقاموا سرادقا للعزاء ليس في فقد الأخشاب في حد ذاتها وانما حزنا على أناس يسرقون أنفسهم وهو يتاقسمون البسمات ويتغامزون تباهيا بشطارتهم و فرحا بالانجاز المخزي في حق أملاكهم وليس مال الحكومة! مرت الايام على السودان في رتابة تعثر ولادة نهضته وها هو يعيش في كابوس طويل من الفساد الآنقاذي الذي شكّل نمطية جديدة ربما تعلم منها الصينيون ذاتهم في عهد انفتاحهم الجديد الكثير من المفاسد الأخرى التي تجاوزت مجرد سرقة الأخشاب وهم يمدون جسور عشق شيوعيتهم المعدلة جينيا في غزل مع شريعة الانقاذ التي قننت الفساد بصورة علنية على خلاف استحياء العهود الديكتاتورية التي سبقتها في التعاطي معه من خلف الأبواب المواربة ! بلدان النهضة الأوربية بالاضافة الى اليابان والصين نفسها ودول مايسمى النمور الأسيوية الأخرى و التي باتت تقود العالم في ندية أقتصادية وصناعية واجتماعية حذوك النعل بالنعل مع أمريكا! ومعظمها خرجت أثرا بعد عين تنزف جراحات الحرب العالمية الثانية في نهاية الأربعينيات أو استقلت في تلك الفترة من اوائل الخمسينيات التي لا تفصل بينها وسنة استقلال السودان الا سنوات ست تعكس المفارقة المبكية بين تطورتلك الدول المذهل وبين تدهورنا المريع التي تكالبت في صنعه السياسة وضعف الارادة الوطنية وعدم الولاء للكل في مقابل التمحور في الأنا حيث توالدت بكتريا تأكل الوطن فسادا وتخلفا وتراجعا أخلاقيا وتقسيما وهجرة ! فمن البديهي أن يهاجر الناس عن اوطانه كسبا للعيش أو فوائد العلم وخلاف ذلك من الأسباب ، ثم يقودهم الحنين في نهاية المطاف عائدين اليه حتى وهم في صناديق وقد تساقطوا شهداء في الغربة خارج حدوده ، ولكّن الأمر المحير وغير العادي فعلا هو أن يتساقط الوطن خارج حدود أبنائه ، حتى وهم يستظلون به دون احساس أو شعور تجاه مسئؤلية بنائه وصيانة مكاسبه ، ومن هنا تتجدد الكارثة التي لن تزول الى أن يعود الوطن الى دواخلهم ، قبل أن يعود شتاتهم الى داخله ! والله المستعان .. وهو من وراء القصد .