[email protected] سارعت حكومة السودان إلي إعلان أن سفن حربية إيرانية رست في ميناء بور تسودان كما أعلنت إيران نفس الخبر. ولم تكتف حكومة السودان بذلك بل قدمت الدعوة إلي زيارة هذه السفن والتأكد من وجدوها. مهما كانت المبررات فان الخطوة تأتي كرد فعل غاضب علي بعض القوي الإقليمية علي خلفية قصف مصنع اليرموك الذي تتهمه إسرائيل بتجميع و إنتاج أسلحة إيرانية تهرب لتستخدم ضدها. وجود هذه السفن ربما كان اقوي دليل علي التعاون العسكري الإيراني السوداني. هذا التعاون الذي انبري العديد من محللي حكومة السودان لتبريره لا يمكن تبريره إلا خارج الجغرافيا السياسية أي في العدم. وجدود السفن الحربية الإيرانية في بور تسودان مكن الآلة الحربية الإيرانية من التواجد غرب الجزيرة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي وهو ما قد تعتبره هذه الدول تهديدا مباشرا لأمنها القومي ومن المؤكد أنها لن تصمت عليه. وصول هذه السفن إلي بور تسودان تطور خطير في الجغرافيا السياسية في المنطقة. لقد أصبحت دولة السودان دولة مواجهة مباشرة مع إسرائيل في الوقت الذي تنعم فيه معظم دول المواجهة الجغرافية الحقيقية باتفاقيات سلام وتعاون معها بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية نفسها. سبب هذا التحول هو التحالف الإنقاذي الإيراني الذي سيجر السودان إلي حروب دولية لا يملك مؤهلاتها. هذا يقودنا إلي السؤال المباشر ماذا استفاد شعب السودان من علاقة حكومته مع إيران؟ بدأت العلاقة مع إيران بعد انتصار ما عرف بالثورة الإيرانية حيث خرج الطلاب الإسلاميين في الجامعات السودانية وقتها وهم يرددون إيران إيران في كل مكان. كانت مظاهرة جامعة الخرطوم اكبر هذه المظاهرات التي قصدت السفارة الإيرانية في حي العمارات. من طرائف الثورة الإيرانية في السودان أن اتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 1978م الذي كان يسيطر عليه طلاب الاتجاه الإسلامي نشر في ميزانيته الختامية تكلفة مظاهرة الثورة الإيرانية وكانت تكلفة مرتفعة نسبيا مقارنة ببنود الميزانية الاخري مما اثأر سخرية الأستاذ احمد المصطفي دالي من هذه المظاهرة بقوله انه بناء علي عدد المتظاهرين والمسافة بين السفارة الإيرانية وجامعة الخرطوم فلو كانت تكلفة الخطوة الواحدة لكل متظاهر (10) قروش ما كان لهذه المظاهرة أن تكلف تلك التكلفة. لم تقدم إيران عندما كانت غنية شيئا لشعب السودان وهي لن تقدم له شيئا وهي محاصرة اقتصاديا لدرجة أن عملتها فقدت الكثير من قيمتها وصارت أشبه بالجنيه السوداني. السؤال الأهم هو هل ستسمح القوي الإقليمية والدولية بهذا التمدد الإيراني في البحر الأحمر؟ الإجابة طبعا لا وستعمل هذه القوي سرا وعلنا علي إنهاء هذا التمدد مما سيسبب الكثير من الخسائر لشعب السودان. الخيارات أمام حكومة الإنقاذ محدودة جدا. هذا معترك صعب تمتد جذوره إلي آلاف السنين وتختلط فيه السياسة بالجغرافيا والدين ولا تستطيع حكومة الإنقاذ التي فاجأها قصف المصنع دخوله، لذلك هنالك احتماليين لا ثالث لهما إما ذهاب هذا السفن والتمدد الإيراني من البحر الأحمر أو ذهاب الذي سمح بذلك وهو حكومة الإنقاذ.