رأي نقد ذاتي واعتذار للخليفة عبد الله التعايشي والأمير يونس ود الدكيم كان مبتدأ وكان الخبر في الفروة كان حسن الختام عبد الله الحاج القطيني : لا أدري على وجه التحديد من هو ذلك الشخص أو تلك الجهة التي اطلقت شائعة أنّ الخليفة عبد الله التعايشي قد كتب الى الملكة فيكتوريا خطاباً يدعوها فيه الى الدخول في الاسلام ويبشرها بأنها اذا دخلت في الاسلام فسوف يزوجها الأمير يونس ود الدكيم اذا قبل، وتضيف الشائعة ان الامير يونس قد ابتسم لدى وصول الخطاب الى هذه الفقرة التي تتحدث عن زواجه من الملكة فيكتوريا، لا أدري، ولكن من المؤكد ان هذه الشائعة رائجة وسط السودانيين المتعلمين منهم وغير المتعلمين ومنذ فترة طويلة جداً، حيث تناقلتها الاجيال جيلاً عن جيل. وقد كنت شخصياً من ضحايا هذه الشائعة والمصدقين لها، الى ان تحداني الصديق العزيز محمد عبد الخالق رد الله غربته، قائلاً بأن ذلك لم يحدث اطلاقاً، وان الخطاب الذي ارسله التعايشي لم تكن فيه أية اشارة لا تلميحاً ولا تصريحاً لمسألة تزويج الملكة فيكتوريا من الامير يونس او خلافه من امراء المهدية. وبالفعل فلدى اطّلاعي علي الخطاب المذكور ضمن كتاب جغرافية وتاريخ السودان لنعوم شقير لم اجد اشارة الى ذلك. وأول ما نلاحظه قبل التعرض لمحتوى هذا الخطاب، ان الخليفة لم يكتب فقط للملكة فيكتوريا وانما كتب كذلك الى السلطان عبد الحميد والخديوي توفيق باشا، وفي هذه الخطابات يدعوهم الى اعتناق المهدية قبل ان تطأ جيوشه بلادهم، وقد حمل تلك الخطابات اربعة رسل وصلوا الى حلفا بتاريخ 12 أبريل 1887م، فاُرسلوا الى الجناب العالي في مصر، حيث قرئت الخطابات، واُرسل خطاب الملكة فيكتوريا اليها، ورغم ان خطابات الخليفة قد اتّسمت بالادب والتهذيب فإن الرد على تلك الخطابات كان شفاهياً مع الرسل الاربعة، وكان يتّسم بالاستفزاز والاستخفاف والتحقير والازدراء، وهذا نصه: «إن اولئك الملوك الذين تجرأ سيدكم على الكتابة اليهم لأرفع جداً من أن يتنازلوا الى مجاوبته». ونعود الى الحديث عن خطابه الى الملكة فيكتوريا تحديداً، فهو بعد البسملة يخاطبها قائلاً: «وبعد فمن العبد المعتصم بمولاه القاهر خليفة المهدي عليه السلام، الى عزيزة قومها فيكتوريا ملكة بريطانيا.. سلام على من اتّبع الهدى»، وبعد ذلك يدعوها الى الدخول في الاسلام واتّباع المهدية، ويبشرها قائلاً: «وابشرك بالخير والنجاة من عذاب السعير، وتكونين آمنة مطمئنة لك ما لنا وعليك ما علينا، وتتصل بيننا المحبة في الله، ويغفر لك جميع ما فرط منك في زمن الكفر»، ويحذرها من الكفر ومن أن تغترّ بجيوشها «لأن ما نحن بصدده هو الدين الحق الذي تكفّل الله الملك القادر بنصرته وتأييده ورفع مناره» ويذكرها بمصير هكس وغردون و ستيوارت الذين يصفهم بأنهم «رجالك المعروفون لديك بالشجاعة وحسن التدبير والثبات وقوة العزم»، وفي نهاية الخطاب يكرر لها الدعوة للدخول في ملة الاسلام واتبّاع المهدي عليه السلام، ويهددها بأنها ان لم تفعل ذلك فإن حزب الله سيطأ دارها ويذيقها السوء بما صدت عن سبيل الله. ولكن ما مناسبة هذا الحديث وهذا التصويب والتوضيح؟ ربما تطوعاً ونافلة للتكفير عن المساهمة في الترويج للشائعة التي تحدثت عنها، وما ترتب عليها من أذى وإساءة لاثنين من رموزنا الوطنية مهما اختلفت الآراء حولهما، ولكن هنالك سبيل مباشر وهو ما ورد بصحيفة «الصحافة» الغراء بتاريخ 6/12/2012م بصفحة الرأي بقلم الأستاذ حسن محمد صالح بعنوان: الصادق المهدي صورة من يونس ود الدكيم، حيث كتب تحت ذلك العنوان مقالاًَ تضّمن الكثير من التريقة والسخرية من الخليفة عبد الله التعايشي والأمير يونس ود الدكيم وروّج لتلك الشائعة. فنجد الأستاذ حسن محمد صالح يقول: «أراد الخليفة عبد الله التعايشي أن يخاطب الملكة فيكتوريا ويرسل لها رسالة مثل الرسالة التي بعث بها نبي الله سليمان إلى ملكة سبأ بلقيس مع الهدهد يأمرها فيها بأن تسلم، وإذا أسلمت يزوجها الأمير يونس ود الدكيم إذا قبل الأمير». وهكذا يساهم الأستاذ حسن محمد صالح في الترويج لتلك الشائعة، وبالتالي تصبح الشائعة حقيقة يتشكل بها وعي الأجيال، وهكذا نصور رموزنا وكأنهم كانوا يعانون من نهم جنسي. فما رأي الأستاذ حسن محمد صالح في أن يمارس مثل هذا النقد الذاتي، وندعو معاً كل من ساهم في ترويج لتلك الشائعة أن يمارس هذا النقد الذاتي تصحيحاً للوقائع واعتذاراً لود تورشين والأمير يونس وكل أمراء المهدية الذين ما كانوا يملكون من حطام هذه الدنيا سوى جبة متروزة وحربة مركوزة، وللأستاذ حسن محمد صالح أكيد الاحترام والتقدير. عطبرة الصحافة