[email protected] الاسلام السياسى ادخل السودان فى جب أو قاع سحيق تنعدم فيه كل مقومات الحياة الانسانية،يتطلب الخروج من هذه الحالة البائسة التى وصل اليها، تضحيات عظام،جهد و كثير من الزمن.السياسات المتخبطة الفطيرة فى الداخل التى أدت الى الحروب ذات الطابع العرقى،المجاعات و الانتهاك المفرط لحقوق الانسان، أصبحت لا تهدد انسان السودان وحده و لكن ايضا السلم و الأمن العالمي. تلك السياسات المتهافتة دفعت بكثير من الدول،المنظمات الدولية و بعض الشخصيات العالمية للتدخل و التبرع بالفتاوى و النصائح فى كيفية حل مشاكل السودان القابل للانفجار و الذى أصبح عبئا على الجميع فى زمن " الانقاذ "! فى اطار تلك الفتاوى و روشتات العلاج لما يحدث و يجرى فى السودان أوصت " مجموعة الأزمات الدولية " كما جاء فى الصحف، فى تقريرها الصادر بتاريخ 29 نوفمبر عن السودان و تحت عنوان ( اصلاحات رئيسية أو مزيد من الحرب ) باستخدام المادة 16 من نظام روما الأساسى بتجميد مذكرة القبض على عمر البشير. مجموعة الأزمات الدولية استندت فى توصيتها، على أن مشاكل السودان المتفاقمة يمكن ان تعالج فقط من خلال اصلاحات يقبلها و يقوم بها النظام،لأن تغير النظام بالقوة قد يقود للفوضى لأنه و حسب قولها ( انتقال متحكم به أفضل من تغير النظام بالقوة مع ما يترتب عليه من فوضى ). قبل الدخول فى مناقشة هذا الرأى أعتقد انه من الأجدى ان نقوم بتعريف لمجموعة الأزمات الدولية و ايراد نص المادة 16 من نظام روما الأساسى. مجموعة الأزمات الدولية هى منظمة دولية غير ربحية مقرها بروكسل ولها مكاتب فى كل من واشنطن و نيويورك و لندن،تستهدف منع حدوث و تسوية النزاعات الدموية حول العالم و ذلك من خلال اسداء المشورة للهيئات الدولية.يعمل بها مجموعة من المستشارين بتخصصات مختلفة و قد قدمت كثير من التقارير و النصائح فى مناطق العالم الملتهبة كالصومال،رواندا،الكاميرون.......الخ تقوم بدفع ميزانيتها بعض الدول الغربية و التبرعات من الشركات،المؤسسات والافراد،أصبحت تقارير هذه المنظمة ترسم السياسات العامة فى العالم. المادة 16 من نظام روما الأساسى تقول ( لا يجوز البدء أو المضى فى تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام الأساسى لمدة اثتى عشر شهرا بناء على طلب من مجلس الأمن الى المحكمة بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر من المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة،و يجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها ). فى تقديرى ان توصية مجموعة الازمات الدولية حول السودان غير موفقة و تصادم و تتناقض مع ما توصلت اليه معظم القوى السياسية السودانية فى حل المشكل السودانى كما انها تتناقض مع مبدأ ارساء العدالة الدولية على أسس ثابته.خطأ التوصية و ضعفها يتمثل فى الآتى: 1- ان الأزمة التى أوصل اليها النظام السياسى الحالى السودان لا تتم بمجموعة حلول وقتية،فالازمة عميقة و شاملة "ضربت " بشكل سرطانى جميع أوجه الحياة السياسية،الاقتصادية،الاجتماعية و الثقافية و مزقت نسيج المجتمع السودانى.لذلك لا يفيد و لا ينفع غير ذهاب النظام كاملا و فرض بديل جديد معافى.ان تغير النظام عن طريق العمل السلمى الدوؤب و التصدى للدفاع عن ذلك العمل بكافة الوسائل المتاحة، لا يقود الى الفوضى كما تقول " المجموعة " بل الى السلام الدائم و فتح الطريق لنظام ديمقراطى يقوم على أسس سليمة يحقق مصالح الاجيال القادمة. 2- ان السلطة الحاكمة لا مصلحة لها فى تغير ما يدور فى السودان و سوف تقاوم ذلك التغير اذا جرى بشكل ناعم أو غيره و هنالك تجربة تفكيك النظام من الداخل بعد "نيفاشا "، الانتخابات التى جرت و قامت بتزويرها السلطة و التى سكت عنها مركز كارتر و هو يقوم بمراقبة الانتخابات و اعتراف بعض من المشاركين فى السلطة لاحقا بتزويرها و كان واحدا من نتائجها الكارثية ادعاء السلطة للشرعية. 3-ان حصيلة التجارب مع هذا النظام طيلة ربع قرن من الزمان و استصحاب تجارب التاريخ السياسى فى السودان يؤكد أن النظام لا أمل من اصلاحه من الداخل و هذا النظام يصر على حكم السودان و هو لا يعترف بانه قد أخطأ او أجرم فى حق الشعب السودانى رغم كل الانهيار الكامل، كما أن وسائله مهما ادعى من " حرفنة " سوف تقود حتما الى الدمار الشامل لأن جوهر منهجه و فلسفته فى الحكم تقوم على نفى الآخر و عدم الاعتراف به. 4- فى الوقت التى تطالب مجموعة الأزمات الدولية بالتغير " الناعم " و تجميد القبض على المشير،تواصل السلطة انتهاكاتها لحقوق الانسان و تمارس حرب ابادة عرقية فى جنوب النيل الأزرق،كردفان و دارفور بل وصل بها الصلف لاغتيال طلاب دارفور فى الشمال " ولاية الجزيرة " و هو ما يجرى حاليا امام انظار العالم فكيف يستقيم عقلا ان تشارك هى فى التغيير؟!! 5-ان التوصية بتجميد القبض على عمر احمد البشير يعنى للمجرمين الآخرين ان العدالة لن تطولهم كما أن الحديث عن " المحاسبة " الذى يتردد كثيرا فى نشرات حقوق الانسان يظل مجرد " تهويش " لا غير، و ذلك سوف يدفع على الاستمرار فى انتهاك حقوق الانسان ليس فى السودان فقط بل فى جميع أرجاء الكرة الأرضية. 6-ان الاستخدام السياسى للقانون و محاولات تطويع اجراءت التغاضى بتجميد المادة 16 من نظام روما الاساسى فى هذه الحالة، يهدم اسس العدالة و يضعف ثقة الشعوب فى المنظمات الدولية المناط بها الدفاع عن العدالة و حقوق الانسان. 7- ان توصية " الازمات الدولية " لا تختلف كثيرا عما تطرحه الادارة الأمريكية و ما جاء على لسان كثيرا من ممثليها و هو فى نهاية الأمر يخدم اجندة لا تتفق و مصالح السودان. أخيرا نقول ان التوصيات الاكاديمية " الباردة " التى تطهى بعيدا عن الواقع و تجارب الشعوب و خبراتها ، لا تؤدى الى حل المشاكل بل الى تفاقمها و تطويل أمد الصراعات و اجهاض أمل الشعوب فى التغير الحقيقى.توصية مجموعة الأزمات الدولية لا تفيد الشعب السودانى و تتعارض مع مصالحه الأساسية. عدنان زاهر