[email protected] هناك من يثابر ويكافح وينافح ويسعى لياخذ ما يستحق، ويعطى من حوله ما تجود به عليه الدنيا من خير ولو قليل... فالحياة عطاء ليس مرهونا يالكم او المال فقط... ولكن يجملها نكران الذات ويزينها الشعور بالاخرين وربما تسعدك ضحكة من طفل او مسكين اسعدته ... منك .. ولو بابتسامة... لم يكن السودانى الا ذلك الانسان اعنى قبل ان يتذوق مرارة الفقر وذل الاحتياج فقد كانت الايدى مبسوطة بالعطاء ... فملأ الخير فى وقت مضى كل حدب وصوب وكم سعدت الاوطان بالبركة التى امتدت الى اعماق الارض فاعطت الكثير الوفير..وفتها لم يجثم على الصدور هذاالغلاء وذاك الطمع ....وحينها كانت الرحمة مازالت تمشى بيننا..... الاغتراب الذى فى الغالب تدفعنا له ظروف الوطن وتداعياته ... والاغتراب خشم بيوت ولا اقصد هنا ما يجنيه الفرد من دراهم ... ومال ...لا .. ولكن ما يتمكن به الفرد منا من حلحلة مشاكل كانت جدا عصية لولا اغترابه لتحقيق شىء ولو القليل من استقرار... ومد يد العون لعيون فى الوطن... تنتظر الرحمة والفرج بما تيسر.... عبد الرحيم الزين الحلو فى الخامس والثلاثين من عمره ،مواطن سودانى اختار الاغتراب من البقاء فى جحيم المعاناة ،باع كل مالديه جملة واحدة ،ثم انفقها لتجهيز حاله سعيا وراء سفر الى دولة خليجية ..عسى ان يغير شىء من حظه العاثر الذى طالما لازمه فى ارض المليون ميل مربع... بحساب الرقم السابق ...امينة عثمان زوجته التى كان فرحها مضاعفا باغتراب زوجها ....وكغيرها من النساء كانت تحلم برغد العيش وطيب الحياة ... هكذا سافر عبد الرحيم الزين ... تصحبه اماله العراض واحلام ظلت تراوده.... تاركا خلفه امينة الزوجة الطيبة... ومعها اطفاله الاربعة ... وصل عبد الرحيم الزين ديار الاغتراب فى بداية مشواره كان مفعما بالنشاط والحيوية ...باحثا عن لقمة العيش بدون كلل اوملل ..عمل عدة اشهر... ثم قادته قدماه الى احدى الجمعيات .... ثم مالبث ان ترك العمل بحجة انه ليس العمل المناسب... واستكان مستمتعا بالعطالة بين العاطلين فى الجمعية ... فكان نهارهم كليلهم عطالة بالنهار وغطيط بالليل.... وتمضى الشهور والسنوات وعبد الرحيم يتغير الى سلبية حياة البطالة ...ويتناسى شيئا فشيئا زوجته واطفاله .... ثم ما لبث ان انقطع عن الاتصال باسرته او ارسال مصاريف حتى.... ونسى وعشق النسيان..... وقد اعجبته حياة اللامسؤلية .... اما امينة الزوجة التائهة... التى لم ينقطع املها فى زوجها فكانت تحاول ان تجد له الاعذار.... ولما ضاق عليها وعلى ابناءها الحال، حاولت ان تستر حالها فباعت كل ما يمكن ان يباع ... الا شرفها... ولكن كيف لها ان تطعم اطفالها وتحميهم من التشرد والاذى فى زمن ... الغدر... والانحراف... تعبت امينة التى لم يترك لها زوجها خيارات الا الشقاء ... ولا ملاذا الا ... الكفاح والعمل، فعاشت المسكينة بين خوفين خوف من الضياع وخوف من الانتظار... والايام تأكل من روحها وريحانها ...ورحيق جمالها... وتمضى السنوات عجافا... واصبحت سعادتها فى تفوق اطفالها فى دراستهم ونجاحهم المتميز رغم حصار الفقر لهم قى زمن لا تسمع فيه انات الجوعى... ولا يحس بالام المساكين الا من رحم ربه....نسى عبد الرحيم اطفاله ،سنوات طويلة طواها بين حياة البطالة واللامبالاة نسى عبد الرحيم فلذات الاكباد ...وامرأة هى بالاحرى زوجة له... تركها واهملها فى مهب الريح فقد احالت دون ذاكرته غفلاته ونزواته فى درك الانحطاط ....واوصدت قسوة قلبه كل باب لعاطفة نبيلة فماتت انسانيته ....واستمرأت روحه الانحدار.... اما امينة فهى بين كفاحها وحزنها على اختفاء زوجها الذى طال انتظارها له .... استطاعت رغم صعوبة الحال وخشونة الايام... ان تجد عبر اجتهادها طريق لتعتاش منه وتطعم الابناء فسخر الله لها كثير من الاسباب العصية فليس هناك مسافة بين التوكل والسعى الا العزيمة فبنت على رقة حالها ...بيتا صغيرا متواضعا جعلت نصفه مزرعة دواجن ...عاشت هى وابناءها منها... مضى على رحيل عبد الرحيم الزين الرجل الذى توارى خلف الهروب من مسؤلياته اكثر من عشرين عاما .... كبر الابناء وتخرج البعض منهم .. وبعد ضياع سنوات العمر المحسوبة.... مازال المغترب عبد الرحيم الزين ...سليم الجسم.. مريض الروح... يعيش حياة لامعنى لها بين جدران .... الجمعية