د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور الأفندي والأماني العذبة
نشر في الراكوبة يوم 17 - 01 - 2013


[email protected]
في مقاله الأخير بعنوان: (الإشكاليات في وثيقة كمبالا: خطوة إلى الوراء تجاه الأزمة السودانية المزدوجة) خلص د. عبدالوهاب الأفندي إلى القول:
ما تحتاجه البلاد هو إذن ثورة حقيقية يفجرها شبابنا النقي ممن لم تتلوث أيديه بدماء الأبرياء أو المال الحرام، ولم تتلوث عقوله بالخضوع لإملاءات من بيدهم النفوذ والسطوة، ثورة تعيد إلى الواجهة قوة المنطق السليم، وعلوية الموقف الأخلاقي الساطع. ما نريده هو ثورة لا تتشدق بقيم الإسلام، وإنما تجسدها في الواقع تجرداً عن الذات والكسب العاجل، وتضحية في سبيل المبدأ والآخرين، وإخلاصاً وصدقاً. المطلوب حركات لا تتشدق بالمساواة والمواطنة والحرية، وإنما تجسد ذلك في واقعها بأن تكون عضويتها من كل أطياف المجتمع وكل مناطق السودان وكل سحناته.
فليتعتزل السياسية كل من أصبحت ممارسته لها خصماً على السياسة والوطن، لأنه محمل بأخطاء الماضي ومكبل بعجز الحاضر وبؤسه، وليتقدم الصفوف من لا يرى في السعي إلى السلطة أحد أبواب اقتسام الثروة، وإنما أحد أبواب التضحية لخدمة الوطن. ومن كان هذا شأنه لا يحتاج لأن يشهر سلاحه ليحدث التغيير، لأن الموقف الأخلاقي السليم هو السلاح الأقوى لدحر الفساد، فقد هزم مانديلا أحد أقوى جيوش العالم وهو قابع في زنزانته.
وهو في تقيري رأي سديد وتلخيص ممتاز لما نحتاجه لا يمكن أن يختلف حوله العاقلون، ولكن السؤال الجدير بأن نتدبر فيه هو كيف نصل إلى هذا الذي تمناه الدكتور الأفندي؟ كيف يمكننا أن نكون من بين أؤلئك الذين يريدهم الكاتب ليتولوا قيادة هذا البلد؟ ذلك لأن التجارب قد علمتنا بأن هناك فرقاً كبيراً بين ما نتمنى أن تكون، وما تعتقد أننا بالفعل كما تمنينا أن تكون، ولكن تفضحنا التجارب والمحكات حين توضع في مواضع القيادة، وحين تتمكن منك نشوة السلطة، وتكتشف أننا لسنا كما كنا تتوقع من أمر أنفسنا ومن تحقيقنا لأعلى الدرجات من الطهر والصفاء والسمو الأخلاقي، فتسقط في أقرب شراك إغراءات السلطة والسطوة والنفوذ، كما فعل هؤلاء النفر من قادة الانقاذ، وقد كانوا جميعاً رفقاء الدكتور الأفندي، وكانوا مثله يرددون معه الشعارات الطاهرة (ما لدينا قد عملنا)، فانكشف لهم المستور من أمر نفوسهم الخربة، وكيف تمكنت منهم رغائبهم الموروثة والمدفونة في أعمق أعماق عقلولهم الباطنة، والمستكينة في دواخلهم منذ بلايين السنين، هي عمر تطور الانسان منذ ظهر الانسان على سطح الأرض. نعم، لقد كان الدكتور الأفندي، واحداً منهم، كما كان الكثير من أمثاله كالدكتور التيجاني عبد القادر، والدكتور الطيب زين العابدين وغيرهم من الذين استيقظوا أخيراً من ذلك الحلم والوهم الذي كان يسيطر على تنظيمات الأخوان المسلمين باسمائها المختلفة، وهم يستنكرون بصدق ما يرونه اليوم من سوء الدرك الذي بلغه إخوة الأمس ورفقاء الدرب ممن لا يزالون يتوغلون سقوطاً في مستنقع السلطة ويوغلون في الانحدار واقتراف الآثام بلا هوادة، وما كان أيهم يعتقد بأنه غير الأطهار والأصفياء من (شبابنا النقي ممن لم تتلوث أيديه بدماء الأبرياء أو المال الحرام، ولم تتلوث عقوله بالخضوع لإملاءات من بيدهم النفوذ والسطوة)، حتى فوجئوا جميعاً، نيامهم ومستيقظيهم، بأنهم ليسوا كذلك. فهل سأل الدكتور ورفقائه من المستيقظين، ما هو السر الذي يكمن وراء هذه الظاهرة، والتي نراها تتكرر على مدى الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، وخاصة مصر وتونس، حيث ورثت فيها جماعات الاخوان المسلمين السلطة، وبدأت سيرها المحتوم في نفس طريق الديكتاوتريات الدينية البغيضة التي سبقتهم إليها جماعة الانقاذ في السودان؟ لماذا ينتهي هؤلاء الأطهار والأصفياء من (شبابنا النقي ممن لم تتلوث أيديه بدماء الأبرياء أو المال الحرام، ولم تتلوث عقوله بالخضوع لإملاءات من بيدهم النفوذ والسطوة) إلى هذا المصير الأسود، ولماذا يدعونا الدكتور الأفندي وصحبه إلى أن نجرب المجرب بطاقمً آخر من نفس الجماعة لنكرر نفس التجربة، و(كل تجربة لا تورث حكمة لا بد أن تتكرر نفسها)، كما يذكرنا دائماً الأستاذ محمود محمد طه.
الاجابة على السؤال أعلاه هي ما أنفق الأستاذ محمود حياته منبهاً له، وذلك بأن السبيل إلى اصلاح النفوس من الداخل هو السبيل الوحيد لصلاحها الحقيقي، فلا يكفي اعتقاد الشخص بأنه قد أصبح صالحاً وطاهراً بمجرد انتمائه لجماعة الأخوان المسملين، فيخرج ليعتلي المنابر خطيباً يلعلع، ويحدث الناس عن مكارم الأخلاق والطهر، والعدل في الاسلام، وواجب الحاكم نحو الرعية، فيسحرهم، ويتصدر قيادتهم، ثم تكون النتيجة المحبطة مثل التي رأينا ولا نزال نرى. صلاح النفوس يتم باتقان اتباع طريق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، اتباعاً بصدق، وبغيره لن تنصلح النفوس من الداخل، ولن يفيدنا أن نستبدل أحمد بحاج أحمد، أو طاقماً بآخر من أطقم الأخوان المسلمين التي ما لعددها نهاية فيما يبدو. فقد كتب الأستاذ مجمود في كتابه (محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد) والذي صدرت الطبعة الاولى في مارس 1966م.. ثم صدرت منه عدة طبعات في تلك الفترة (1966 1985 ) كانت اخرها الطبعة الثانية عشرة ، وقد صدرت في فبراير 1981م ربيع ثاني 1401م (بدون مقدمة خاصة به). من تلك الطبعات ، كانت الإضافة : مقدمة الطبعة الثالثة ، ومقدمة الطبعة الرابعة ثم ( مقدمة الطبعة الثامنة ) التي صدرت في ربيع الثاني 1395ه أبريل 1975م. يقول:
بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها. وقال في الإهداء:
إلى الراغبين في الله وهم يعلمون ، والراغبين عن الله وهم لا يعلمون ..فما من الله بد ..
وجاء في متن الكتاب تحت عنوان (طريق محمد):
هو الطريق ، لأنه طريق)) المحبة ((الخصبة ، الخلاقة .. قال العزيز الحكيم عنه : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )). بطريق محمد أصبح الدين منهاج سلوك به تساس الحياة لترقى الدرجات نحو الحياة الكاملة .. حياة الفكر ، وحياة الشعور ..وجاء تحت عنوان: المسلمون ما خطبهم ؟؟
والمسلمون ، اليوم ، ليسوا على شئ ، وإنما هم في التيه .. يعيشون الجاهلية الثانية جاهلية القرن العشرين والعاملون منهم بالدين لا يتعدى عملهم القشور إلى اللباب .. وليس لهم إلى خروج من هذا الخزي غير طريق محمد .. ونحن إذ نقدمه لهم في هذا الكتيب ، وإذ ندعوهم إليه ، ننذرهم عواقب الإبطاء في الأخذ به .. ثم إننا ، من وراء المسلمين ، وبعد المسلمين ، نقدمه للإنسانية جمعاء ، فليس لها من طريق غيره إلى كمال التحرير ، ولا كمال التمدين ..
وجاء تحت عنوان: صلاة محمد
وقد كانت عبادة النبي الصلاة بالقرآن، في المكتوبة، وفي الثلث الأخير من الليل، وكان يصلي مع المكتوبة عشر ركعات .. ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، كما كان يدمن صلاة أربع ركعات عند زوال الشمس، وكان أحب شئ إليه أن يصلي في بيته، إلا المكتوبة وقال لا تجعلوا بيوتكم قبورا.
وكان ينام على ذكر وفكر، ويصحو كذلك .. ما هب من نوم إلا انشغل بالاستغفار والقراءة .. وكان أول ما يبدأ به السواك، وكان يصلي صلاة القيام في الثلث الأخير من الليل، فقد روي أن النبي استيقظ في منتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، فجعل يمسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر الآيات الخواتم، من آل عمران (( إن في خلق السموات والأرض.. الآيات )) ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام يصلي .. فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين .. ست مرات ، ثم أوتر، ثم اضطجع، حتى جاءه المؤذن، فقام، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح .. هذه كيفية من كيفيات تهجده .. وفي كيفية أخرى، كان يصلى ركعتين خفيفتين، ثم ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم ركعتين أقل، فأقل، حتى تمت صلاته اثنتي عشرة ركعة، أوتر بواحدة .. وروت عائشة من صور تهجده أنه كان يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى ثلاثا .. كما روي عنه أنه لما دخل في صلاة التهجد قال : الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ، ثم قرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه، وكان يقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه، فكان قيامه نحوا من ركوعه، وكان يقول: لربي الحمد، لربي الحمد، ثم سجد، فكان سجوده نحوا من قيامه، وكان يقول: سبحان ربي الأعلى ، سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه، فكان ما بين السجدتين نحوا من السجود، وكان يقول: ربي اغفر لي، ربي اغفر لي .. حتى قرأ في تهجده في تلك الليلة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام .. ومما كان يدعو به في التهجد (( اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق .. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ، أو لا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله .. ثم يأخذ في القراءة .. وكان يدعو في السجود بأدعية مأثورة .. ومما روي عن مقدار سجوده أنه كان مقدار خمسين آية .. وأحيانا كان وهو يتلو في تهجده، يسأل إن مر بآية رحمة، ويستعيذ إن مر بآية عذاب .. وبعد الوتر كان يقول: سبوح قدوس .. يرددها مرتين وفي الثالثة يرفع بها صوته، ويزيد: رب الملائكة والروح .. وكان لا يدع صلاة الليل في حضر ولا سفر ولا يغيرها في رمضان أو غيره، وإن منعه مانع من صلاتها ليلا، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة وإن لم يستطعها من قيام صلى قاعدا .. فكان يصلي قاعدا، حتى إذا بقي من قراءته قدر ثلاثين أو أربعين آية، قام، فقرأها وهو قائم ثم ركع وسجد كما كان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم .. وإذا قرأ وهو جالس، ركع وسجد وهو جالس، وفي آخر الأمر كان أكثر صلاته وهو جالس .. وكان يرتل السورة بوقوفه على رءوس الآي ، حتى تكون أطول من أطول منها، ويقرأ قراءة مفسرة .. حرفا حرفا .. ويقرأ جهرا، بصوت لا يتجاوز الحجرات .. وكان يطيل القيام حتى تورمت قدماه .. وكانت صلاته بين ثلاث وثلاث عشرة ركعة .. ويصليها في كيفيات متعددة كما ذكر سابقا، وذلك لسياسة النفس، حسب نشاطها وطاقتها، وحتى لا تأخذ الصلاة صورة واحدة فتصبح عادة فإنه قد قيل: ان آفة كل عبادة أن تصبح عادة.
إن هذا يعين المقلد، ويتيح له سياسة نفسه، ويصونه من العادة بهذا التنويع، فإن صلى ببعض هذه الكيفيات أجزته، وإن صلى بكل الكيفيات، في أوقات متفرقة فذلك أتم وأحسن، وبذلك يدرج نفسه حسب طاقتها، ويستعين على الصلاة بالاختيار في القيد، ويحارب العادة بالتنويع .
حركات صلاة محمد:
أما كيفيات حركات صلاته فمما روي فيها أنه إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وفي الركوع يمكن يديه من ركبتيه ثم يهصر ظهره فإذا رفع استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وإذا جلس في الركعتين، جلس على رجله اليسرى، ونصب رجله اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة، قدّم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته، وإذا كان في وتر من صلاته ( يعني بعد الركعة الأولى من صلاته أو بعد الركعة الثالثة من صلاته الرباعية ) لم ينهض حتى يستوي قاعدا ، وكان يقبض في صلاته ، ثم سدل.
وكذلك وضوء النبي، لم يكن صورة مكررة، وإنما كان يتوضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وكان أول أمره يجدد الوضوء لكل فريضة ....
لقد قال النبي: (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) وقال:)) الدين المعاملة)).
وقد كانت حياة النبي كلها خيرا وحضورا وفكرا، في كل ما يأتي وما يدع، وكما كانت عبادته فكرا وتجديدا، لا عادة فيها، كذلك كانت عاداته بالفكر عبادة ووزنا بالقسط .. فقد كان يقدم الميامن على المياسر ويحب التيامن، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما .. وكان في جميع مضطربه على ذكر وفكر، فهو لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، وكذلك كان نومه وأكله ولبسه، حتى كانت حركاته تجسيدا لمعاني القرآن، وكان من ثمرات صلاته وفكره وذكره في جميع حالاته، حلاوة شمائله التي حببته إلى النفوس، ووضعته مكان القدوة، إذ كان رءوفا رحيما بكل المؤمنين، يواسيهم ويترفق بهم، وكان سموحا لا يغضب قط لنفسه، وكان دائم البِشر سهل الخلق .. أرأف الناس بالناس، وأنفع الناس للناس، وخير الناس للناس، فكان يتلطف بخواطر أصحابه، ويتفقد من انقطع منهم عن المجلس، وكان كثيرا ما يقول لأحدهم (( يا أخي وجدت مني أو من إخواننا شيئا ؟؟ )) وكان يباسط أصحابه، حتى يظن كل منهم أنه أعز عليه من جميع أصحابه ، وكان يعطي من جلس إليه نصيبه من البشاشة ، حتى يظن أنه أكرم الناس عليه، وكان لا يواجه أحدا بما يكره، ولا يجفو على أحد مهما فعل، ويقبل عذر المعتذر مهما كان فعله . وقال أنس خادمه (( خدمت رسول الله عشر سنوات ، فما قال لي لشئ فعلته ، لمَ فعلته ؟ ولا لشئ تركته ، لمَ تركته))؟ وكان بعض أهله إذا لامني ، يقول : ((دعوه فلو قضي شئ لكان)).
وكان يقول ((إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد)) ، ولم يكن يتميز على أصحابه أو يستخدمهم، ولا حتى يدعهم ينفردون بالخدمة بحضرته، وقد كان يعمل معهم في بناء المسجد، وفي حفر الخندق، ومشى على قدميه إلى بدر، حين كان يناوب بعض أصحابه على راحلته، وشارك أصحابه في إعداد الطعام بجمع الحطب، وحين قالوا له: (( نكفيكه )) قال: (( علمت أنكم تكفونيه ، ولكني كرهت أن أتميز عليكم )) . وحاول أحد أصحابه أن يحمل عنه متاعا كان يحمله من السوق لأهل بيته فأبى ، وقال: ((الرجل أولى بخدمة نفسه)). وكان يقول )) إن الله يكره من عبده أن يتميز على أصحابه )) وفي مرة قام بين يديه رجل، في بعض حاجته، فأخذته هيبته، فلجلج، فقال له: (( هون عليك ، فإني لست ملكا ، وإنما أنا ابن امرأة من قريش، كانت تأكل القديد)) . فسكنت نفس الرجل، وأفصح عن حاجته، فقال المعصوم: ((أيها الناس ، إني أوحي إلي أن تواضعوا .. ألا فتواضعوا حتى لايبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد وكونوا عباد الله إخوانا)).
هكذا كان يسير بين أصحابه، ويشعرهم بقيمتهم وبكرامتهم ويربيهم تربية الأحرار .. وقد آن للمسلمين أن يكرموا أنفسهم ويحترموا عقولهم ويتحرروا من رق الطائفية ومن الوسائل القواصر بالرجوع إلى الوسيلة الواسلة .. الرءوف الرحيم .. فيلزموا سيرته وعبادته التي هي الصلاة بالقرآن، في المكتوبة وفي الثلث الأخير من الليل، وهي أمثل طريقة تغني عما يسمى بالبدع الحسنة، وعن المبالغات في مقادير العبادة، وعن استعمال السبح، وعن كل ما لم يفعله النبي .. فإن المسلمين، إن اتبعوا النبي على هذا النحو الواضح، تحررت ملايين الرءوس المعطلة، والأيدي المستغلة، والنفوس المستعبدة، وعادت (( لا إله إلا الله )) جديدة طرية ، فعالة في صدور الرجال والنساء، تبعث العزة والكرامة والحرية .
هذه هي بعض ملامح طريق الخلاص يا دكتور عبد الوهاب الأفندي، إذا أردنا أن نتجنب الدوران في الحلقات المفرغة، وإذا أردت أو أراد غيرك المزيد من تفصيل هذا الأمر فعليك بلاطلاع على ما كتب الأستاذ محمود محمد طه على موقع alfikra.org
سلام سلام سلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.