تأمُلات كمال الهدي [email protected] لعل المانع خير يا معتصم جعفر! تذكرت وأنا أطالع خبر برقية التهنئة التي بعث بها رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم الدكتور معتصم جعفر للإماراتيين مزحة قديمة سمعتها منذ سنوات طويلة. تقول المزحة أن شاباً من أحد أقاليم السودان الحبيبة كان يهاتف والده أيام كانت المحادثات الهاتفية تُجري من بريد الخرطوم ويبدو أن ونسة الشاب مع والده استغرقت وقتاً طويلاً وكان هناك عدد من المنتظرين وقبل أن تنتهي المكالمة قال الوالد لإبنه " نحن كويسين بس رسل قروش" فبدأ الولد يكرر ويعيد في السؤال " قلت شنو يا أبوي أنا ما سمعتك" فقال له موظف الكبانية " ياخي قال ليك رسل قروش" فسأل الفتى الموظف: " انت سمعت؟" ولما جاء رد الموظف إيجابياً، أردف الشاب قائلاً " وطيب ما ترسل". قال معتصم جعفر في برقية تهنئته للإماراتيين أن انجازهم تحقق نتيجة للتخطيط العلمي السليم والاهتمام الرسمي والشعبي ولم يأت خبط عشواء، مؤكداً كمتابع للكرة الإماراتية حسبما ذكر أنهم ( ناس الإمارات طبعاً مش نحن) خططوا جيداً خلال كل مراحل المنتخب، واهتموا بالدوري الذي أصبح من أقوى الدوريات ولذلك كان طبيعياً أن يتحقق الانجاز". وبالطبع في هكذا حالة لابد أن يقول أي واحد منا لنفسه: يعني معتصم جعفر يعرف شيئاً اسمه التخطيط وأن هذا التخطيط يقود للنجاحات وأن خبط العشواء لا يمكن أن يحقق الانجازات! عجيب والله! طيب يا معتصم لما انتو عارفين مالكم دائماً عشوائيين ورافضين التخطيط؟ لعل المانع خير يا أخي الكريم. أرجو ألا نسمع أن اتحادكم يتبنى التخطيط السليم منهجاً لتطوير كرة القدم السودانية ، لأننا لن ننسى لكم مطلقاً إهدار فرصة التأهل لنهائيات أمم أفريقيا الحالية بسبب إشراك مساوي المطرود أمام زامبيا الذي لا تقع فيه أندية الروابط. طبعاً ذكرت مثالاً واحداً فقط من عشرات بل مئات الأمثلة التي تؤكد على عشوائيتكم وعدائكم الدائم للتخطيط والعمل المنظم. النظام عندكم هو الهندام الجيد وكثرة الترحال بين عواصم البلدان والإقامة بأفخر فنادقها وتدبيج البرقيات من شاكلة ما أرسلتموها للإماراتيين حكومة وشعباً، لأن مثل هذه البرقيات تعزز علاقاتكم العامة وتعينكم على توظيف مناصبكم في خدمة أي شيء إلا كرة القدم السودانية. هذا هو رأي غالبية المهتمين بشأن الكرة في البلد في اتحادكم المناط به تطوير اللعبة، فهلا تكرمتكم بعدم استفزاز مشاعرنا بمثل هذه البرقيات في مقبل الأيام. طبعاً لا نطالبكم بوقف إرسالها، لأن ذلك سيضر بمصالحكم وعلاقاتكم العامة كثيراً، لكننا فقط نرجو ألا تنشروها علينا هكذا وأن تتكتموا عليها في المرات القادمة. آه يا بلد من مسئوليك الذين يسارعون بتهنئة الآخرين على انجازاتهم، فيما يضنون عليك بتحقيق ولو انجاز واحد يرفع الرؤوس عالية. بالطبع لا يعني ما تقدم أن نتجاهل ما حققه الإماراتيون، بل على العكس فقد سعدنا جداً بكرة القدم الجميلة التي قدمها شبابهم خلال البطولة. وكنت قد بدأت مقالاً بعد تأهل منتخبهم للمباراة النهائية لم أكمله لظروف طارئة يومها. عبرت في ذلك المقال عن إعجابي بشباب منتخب الإمارات، خاصة الفتى الرائع عمر عبد الرحمن صاحب الموهبة الكبيرة والقدرة الهائلة في السيطرة على الكرة والتحكم فيها. ولعلكم لاحظتم أن الشاب عمر رغم تألقه الواضح خلال البطولة وفوزه في النهاية بلقب أفضل لاعب فيها رفض في إباء أن يطلق عليه لقب ميسي الخليج وقال أنه عموري فقط. بعد كل هذا التألق يأبى الفتى أن يشبه بأفضل موهبة كروية في عالم اليوم ويكتفي فقط ب ( عموري ) بينما نحن من لم نحقق شيئاً بسبب عشوائية إداريينا لدينا فييرا وديدا وروني وكاريكا والكثير من الألقاب والأسماء الكبيرة. قبل سنوات عديدة كتبت منتقداً ظاهرة إطلاق صحافتنا الرياضية لأسماء لاعبين عالميين على لاعبينا وقلت أن ذلك يعبر عن أن معين الإبداع قد نضب عندنا، فبعد أن كنا نسمي لاعبينا محلياً، صرنا نطلق عليهم أسماء الآخرين، لكن بالطبع لا تجد مثل هذه الدعوات صدىً. وأرجو أن نستفيد من الدرس المجاني الذي قدمه لنا فتى الإمارات الصغير اليمني المجنس عمر صاحب ال 21 ربيعاً فقط. فعمر رغم صغر سنه قاد منتخب بلاده نحو اللقب الخليجي باقتدار عجيب وأظهر مهارة لافتة خلال خليجي 21 ولو استمر في تطوير مستواه وقدراته فسوف يكون له شأن كبير في عالم المستديرة. لو فعل لاعب سوداني ما فعله عمر خلال هذه البطولة لملأنا الدنيا ضجيجاً ولشتتنا تركيزه وأفقدناه صوابه ولفرضنا عليه تغيير مشيته وأسلوب تعامله مع الناس لتضيع موهبته في النهاية. بعد كل هذا الانجاز ما زال عمر على بساطته وهذا أمر آخر أعجبني في لاعبي منتخب الإمارات فقد تابعنا تصريحاتهم بعد كل مباراة خاضوها في البطولة وكان معظمهم يتحدثون ببساطة ولباقة يحسدون عليها. بينما لاعبنا الذي ينتمي لبلد سبق الإماراتيين بعشرات السنوات في هذا المجال يعجز عن اللعب بمثل تلك المهارة ويفشل في الحديث بلباقة. إن استضفت الكثير من لاعبينا سيشبعونك " تأتأة" و" يعني.. يعني.. يعني" حتى تمل هذه اليعني وفي النهاية لا تخرج منهم بجملة واحدة مفيدة ( ليس كلهم قطعاً، لكن الغالبية كذلك). ينقصنا الكثير في كافة مجالات الكرة حتى نلحق بالآخرين.. من سبقونا منهم ومن ساهمنا نحن في تقديمهم لهذه المجالات. وهذه الجزئية تذكرني بما سطره الأخ الأستاذ داوود مصطفى رئيس تحرير حبيب البلد في أحد مقالاته الأخيرة. قال داوود أن حارسنا السابق لاميدو أوضح له أن معظم شباب منتخب الإمارات تدربوا على أيدي مدربين سودانيين بمختلف المدارس السنية للأندية الإماراتية. لا ننكر طبعاً دور بعض المدربين السودانيين بمختلف بلدان الخليج، لكن لماذا يستطيع لاميدو وزملاؤه تقديم العون لصغار الإماراتيين فيما يفشل المدرب السوداني في أداء نفس المهمة ببلده؟ السبب ببساطة يعود إلى أن المدرب السوداني المؤهل يعمل هناك ضمن منظومة متكاملة وليس منفرداً. وهذا يعيدنا لمسألة النظام والتخطيط والانضباط وتقسيم الأولويات والاعتراف بالتخصصات. أما عندنا فرئيس النادي يريد أن يحدد من يلعب ومن لا يلعب. ومسئول الاتحاد يتدخل في تشكيلة المنتخب واختيار اللاعبين، ولعل الأخ معتصم جعفر يذكر كيف أن زميله أسامة عطا المنان اختار لاعب أهلي شندي مالك الذي أعاده معتصم نفسه من المطار ومنعه من السفر مع المنتخب لأثيوبيا. وأسامة نفسه سبق أن أصر على إشراك مساوي الموقوف فضاعت منا الثلاث نقاط التي ستظل وصمة عار في جبين هذا الاتحاد إلى أن يغادر. ففي أجواء كهذه من الصعب أن يبدع أي مدرب سوداني. كما أن المنظومة المتوفرة للآخرين تعين هذا المدرب السوداني في تطوير نفسه وإلزامها بروح المسئولية على عكس ما يحدث عندنا من سبهللية واستهتار يفوق الوصف. واللاعب نفسه هناك يعترف بقدرات مدربه ويحترمها ولذلك يمكن أن يحقق أقصى فائدة مما يقدمه له، أما عندنا فاللاعب بعد شهرين أو ثلاثة من ظهوره وبزوغ نجمه عبر صحفنا وضجيجها الفارغ يظن أن من حقه أن يقيم مدربه لا أن يخضع لتقييمه. والمشجع عندنا يصفق للحركات البلهوانية حتى وإن كنت ضد مصلحة العمل الجماعي وذلك لأن صحافتنا عودته على الاحتفال بأهداف التمارين والإطناب في مديح اللاعبين أثناء المباريات الودية و التقسيمات الداخلية. حتى عندما يقرر بعض المدربين عندنا إغلاق التدريبات حتى يتمكنوا من ممارسة عملهم كما يرون تقوم الدنيا ولا تقعد ويصارع الإعلاميون من أجل فتح هذه التدريبات بحجة كشف الحقائق ومحاربة الظواهر السالبة وفضح الفساد، مع أنك ما أن تتبع أي ظاهرة سالبة إلا وجدت صحافتنا الرياضية وراءها.