رابعة العدوية صاحبة نظرية الحب الالهي إن كنت لا أسأل الدنيا ميملكها فكيف أسأل من لا يملكها ؟ كأسي وخمري والنديم ثلاثة وأنا المشوقة بالمحبة : رابعه كأس المسرة والنعيم يديرها ساقي المدام علي المدي متتابعه فإذا نطرت فلا أري إلا معه يا عازلي ! إني أحب جماله تالله ما أذني لعذلك سامعه كم بت من حرقي وفرط تعلقي أجري عيونا من عيوني دامعه لا عبرتي ترقا ولا وصلي يبقي له ولا عيني القريحة هاجعة ابراهيم علي ابراهيم [email protected] هكذا أنشدت رابعة العدوية حين سأ لوها يارابعة : أنت في ميدان المحبة رائعة .. فكيف كانت صورة الواقعه ... حتي سميت رابعه ؟ أرتبط أسم رابعة العدوية بنظرية الحب الالهي , وصورها مؤرخو التصوف بأنها عرفت في بداية حياتها بتلك الفتاة الجميلة عازفة الناي , تنطق بالحكمة, وتزرف الدمع , أدركت أنكار وفناء المحب في المحبوب .. وعن نسبها : من الصعب ادراك نسبها الحقيقي كما تقول الدكتورة سعاد عبد الرازق * الا أنها تشير الي ان رابعة كانت مولاة لبني عتيك , وتتساءل ان كانت عربية الاصل أم فارسية ؟ ويذهب البعض الي ان اسرتها كانت تدين بالمسيحية قبل أسلامها . والثابت أنها كانت مغنية عاشت في البصرة , قبل ان تسلك طريق الهجرة الي الله , الطريق الي المجاهدة والمحبة والعبادة . كانت رابعة تغني علي انغام الناي وقرع الدفوف والطبول . يسألها لسان الدين الخطيب : من أنت ؟ تجيبه رابعة : كنت أضرب الدف بالطبل فما سمع غيري: " بالله ياريح الصبا مري علي تلك الربا وبلغي رسالتي بنصها أهل قبا ...." * وأشار لها الجاحط في كتابية : " البيان والتبيين " و" الحيوان " : قلنا لرابعة القيسية : لوكلمنا رجال عشيرتك فأشتروا لك خادما يكفيك موؤنة بيتك ؟ فقالت : والله أني لأستحي أسال الدنيا من يملك الدنيا , فكيف أسالها من لا يملكها . ويقول مال بن دينار : " ذهبت لرابعة فوجدتها تشرب من جرة مكسورة , وقد فرشت علي الارض حصيرة عتيقة ... ومخدتها من اللبن ( الطوب النيء) فقلت وقلبي يغلي : يارابعة : لي أصدقاء أغنياء فاٍن سمحت لهم ان يعطوني شيئا من أجلك ؟ فقالت رابعة وهي تتنهد أسفا :" لقد أسأت القول يا مالك . ان الله تعالي هو الذي يرزقني ويرزقهم , أفمن يرزق ألاغنياء لايرزق الفقراء ؟ فأذا كانت هذه مشيئته , فنحن من جانبنا نرضي عنها كل الرضي " . وحينما ال بيتها للسقوط , قدم لها أحد الاثرياء منزلا والف دينار وناشدها ان لاتردها ... فذهبت لتري البيت قبل ان تقرر قبوله من رفضه , فوجدته مؤثثا بأفخر الرياش وأغلي الأثاث ....فأعادت المبلغ ووثيقة المنزل , وهي تقول لمن أهداها : " مالي وللدنيا ؟! انني فيها عابرة سبيل , وعابر السبيل يكفيه ان يحمل زاده فقط " . أنها تحب الله لذاته .. لاشأن لها بالزائلة .. ولا شأن لها بالجنة والنار : " كلهم يعبدون من خوف نار ويرون النجاة حظا جميلا أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا بقصور ويشربوا سلسبيلا ليست لي بالجنان والنار حظ أنا لا أبتغي سواك سبيلا أول فكرة عن الحب الالهي ظهرت وضاءة مجلوة في البصرة عند كبار زهاد عبد قيس .. , ثم عند عامر بن عبد الله بن قيس من تلاميذ أبو موسي الأشعري وغيرهم كثر , لكن رابعة تربعت فوق عرش المحبة الألهية بجدارة وأستحقاق كما تقول الدكتورة سعاد عبد الرازق , وهي صاحبة مرتبة رفيعة . وفي رأي الامام ابن القيم ( مدارج السالكين ) ان الأسباب التي تعطي رابعة هذه المكانة هي عشرة أسباب نستعرضها بأ قتضاب : أولها : فقد حرصت علي قراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار . نقل عنها أبن السراج : " .... كنت قد سكنت الي قراءة جزئي بالنهار فانقطع عني قيام الليل .. أريت في منامي , كأني رفعت الي روضة خضراء . ذات قصور .. ونبت حسن .... الثاني: التقرب الي الله بالنوافل بعد الفروض ... ثالثا : دولم زكره علي كل حال باللسان والقلب والعمل والحال , فنصيبه من المحبة قدر نصيبه من الذكر ... رابعا : ايثار محابه علي محابك عند غلبات الهوي ...والسنم الي محابه وان صعب المرتقي . خامسا : مطالعة القلب لاسماءه وصفاته ومشاهدتهاومعرفتها, وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها , فمن عرف اللع بأسماءه وصفاته وأفعاله أحبه الله لامحالة . وتقول رابعة ان ثمرة العلم الروحي هي أن تصرف وجهك عن المخلوق , كيما توجهه الي الخالق وحده , لأن المعرفة هي معرفة الله . السادس: مشاهدة بره وأحسانه وآلائه , ونعمه الطاهره والباطنة السابع : - وهو أعجبها - أنكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالي . الثامن : الخلوة به لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بالعبودية بين يديه ,ثم ختم ذلك بإستغفار وتوبة . التاسع : مجالسة المحبين الصادقين , والتقاط أطايب ثمرات كلآمهم كما ينتقي أطايب الثمر , ولا تتكلم اا تراجعت مصادر الكلام وعلمتان فيه مزيدا حولك ومنفعة لغيرك . عاشرا : مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل . فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضي والانام غضاب وليتمنك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب .............. .............. يا مؤنس الابرار في خلواتهم يا خير من حطت به النزال من ذاق حبك لايزال متيما قرح الفؤاد يعوده بلبال فإذاالذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب من ذاق حبك لايري متبسما في طول حزن للحشي يغتال خرجت رابعة للصحراء , تجدد تأملاتها الروحية.. والحيوانات أمامها ساكنة .. اذ بالحسن البصري يحث الخطي قادما نحو رابعة , وكان مثلها يخرج الي الصحراء ليمارس تأملاته أيضا ... , حينما رأته الحيوانات هربت مسرعة .. فسأل رابعة : والذي نفسي بيده .. لماذا فرت هذه الظباء حين أبصرتني ... ولم تفر منك ؟ فسألته رابعه: أي شيء أكلت قبل قدومك الي هنا ؟ قال أكلت بذور بصل مطبوخة بالشحم . صاحت رابعة : كيف لا تفر منك هذه الحيوانات وقد أكلت من شحمها .. آه لو كنت رجلا خفيف الزاد كالنملة , لما أتحت لديدان قبرك أن تصاب بالتخمة (.....) انك دائب علي تعمير جسدك , بالرغم من مطالبتك بتطهير روحك . * ومن أقوالها ما حكاه صاحب " الروض الفائق " قال : ان رابعة العدوية كانت اٍذا صلت العشاء قامت علي سطح لها وشدت عليها درعها وخمارها ثم قالت : "......الهي أنارت النجوم , ونامت العيون , وغلقت الملوك أبوابها , وخلا كل حبيب بحبيبه , وهذا مقامي بين يديدك . ثم تقبل علي صلاتها فاذا كان وقت السحر وطلع الفجر قالت : "........... اٍلهي هذا الليل قد أدبر , وهذا النهار قد أسفر فوعزتك هذا دأبي ما أحييتني وأعنتني , وعزتك لو طردتني من بابك مابرحت عنه لما وقع في قلبي من محبتك . ياسروري ومنيتي وعمادي وأنيسي وعدتي ومرادي أنت روح الفؤاد وانت رجائي أنت لي مؤنسي وشوقك زادي أنت لولاك ياحياتي وانسي ما تشتت في فسيح البلاد حبك الآن بغيتي ونعيمي وجلاء لعين قلبي الصادي ليس لي عنك ما حييت براح انت مني ممكن في السواد ان تكن راضيا عني فاني يامني القلب بدا أسعادي يقول عنها قنديل * " واذا كانت رابعة في حياتها قد أستطاعت ان تحول بيتها الشبيه بالقبر اٍلي مزار للعلماء والفقهاء والمحدثين , وأن تلقي فيه مع الملائكة الطوافين . وان تري بعيني بصيرتها ما لاتراه الأبصار من الأسرار الكونية , فٍان قبرها الثاني سيضيء بقناديل الرضوان " بأذن الله "ويتضوع بعبير الرحمة وينضح عطرا من صحفها المطيبة بالباقيات الصالحات . صعدت روحها الي بارئها في القدس عام (135) للهجرة (752) ميلادية , وبقيت سيرتها خالدة رمزا للحب الخالص لله جل وعلا ورائدة لنظرية الحب الالهي . أحبك حبيين : حب الهوي وحبا لأنك أهل لذاك فأما الذي هو حب الهوي فحب شغلت به عمن سواك وأما الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتي أراك ولكن لك الحمد في ذا وذاك مصادر : ------- 1- رابعة العدوية : بين البكاء والغناء. د.سعاد عبدالرازق . مكتبة الانجلو المصرية .1992م 2- رابعة العدوية :عذراء البصرة البتول . عبد المنعم قنديل . مكتبة التراث الاسلامي - القاهره