* كل شيء يبدو (مجنوناً) تماماً هذه الأيام.. *السوق والناس والمدارس والمشافي والمواصلات والأسعار والصيدليات ووزارة المالية.. * والكلمة هذه ذاتها نكتبها تحت تأثير الجنون هذا.. * ما من شيء يبدو (سليماً) في أيامنا هذه حتى الشيء ذاك التي تصرخ جهة ما بأن (نتركه سليماً).. * فالجنون هو العنوان العريض لبلادنا الآن منذ أن بدأ وزير المالية يتحدث للناس حديثاً (غريباً) وينتهج سياسات (أغرب).. * وكأنما الجنون هذا اقتصر فقط على تعرفة الدفع المقدم للمياه مع فاتورة الكهرباء ليعاتبنا بسببها كل يوم قارئ يسمي نفسه (عبدالواحد المستغرب أيما استغراب).. * والاستغراب هذا على أية حال درجة أقل من الجنون نحسد عليه من انحصر همه على حكاية ال(25) جنيهاً هذه وإن لم يكن هنالك (عداد) حسب قوله.. * والإسعاف الذي تسبب قبل أيام في احتياج ركاب سيارتين الى (إسعاف) عاجل بدا أشدَّ جنوناً من الذي صدمنا ذاك قبل أشهر.. * فكل شيء يبدو مجنوناً هذه الأيام.. * فالانحدار الذي يجرفنا يجعل وتيرة الجنون تزداد سرعة في كل يوم، وفي كل لحظة، وفي كل دقيقة، وفي كل ثانية.. * انحدار قيمي وضميري وأخلاقي يتزامن مع انحدار اقتصادي لا يجذب معه نحو الأسفل في مفارقة عجيبة الوزير المسؤول عنه في بلادنا.. * ولا يجذب معه كذلك كثيرين من (إخوانه) الذين يبدون (مبسوطين) وهم يضحكون عبر فضائية تعجز عن دفع حقوق العاملين.. * فليس مهماً أن تعجز عن الوفاء بالحقوق هذه فضائية محمد حاتم الحكومية ولكن من المهم جداً أن لا تعجز عن إظهار هؤلاء وهم (يضحكون).. * والصيدلي الذي نقف أمامه قبل أيام ونحن نمد له قيمة دواء القرحة نفسه الذي مددناه له قبل أسبوعين يتبسم وهو يقول بحياء: (فيك الخير يا أستاذ).. * فقد زاد سعره بنسبة (50٪) حتى لحظة كتابة هذه السطور.. * وقصص مشابهة عن أدوية الضغط والسكري والالتهاب و(العصبي) نسمعها كثيراً في أيام علي محمود هذه.. * علي محمود هذا الذي إذا مرض ابنه هو فإنه يرسله الى (بلاد بره) لتلقي العلاج ب(الشيء الفلاني).. * ويفعل الشيء ذاته كثيرون ممن هم ليسوا (مستغربين أيما استغراب) كحال قارئنا ذاك.. * و(نُبطِّل) استشهاداً بقصة ابن الخطاب الذي حرَّم على نفسه وآل بيته السمن واللحم والعسل في عام الرمادة.. * نزهد عن مثل الاستشهاد هذا رغم إشارتنا اليه بعد أن اكتشفنا أننا (طيبون أكثر من اللازم).. * بل حتى الاستشهاد بنظامي عبود ونميري العسكريين بات ضرباً من (السذاجة).. * أو بالأحرى، بات ضرباً من الجنون بعد أن غدا كل شئ (مجنوناً) في أيامنا هذه.. * الناس والأسعار والجامعات والمحليات والمالية و(عربات الإسعاف).. * ويبقى علي محمود في منصبه رغم كل شيء (يتفرج) على الجنون هذا وهو يضحك.. * و(تتفرج) عليه بدورها حكومتنا وهي تأمر البرلمان بإجازة كل ما يقترحه ولو كان (مجنوناً).. * والمكان الوحيد الذي يمكن للواحد منا أن يضحك فيه الآن مثل علي محمود هذا و(إخوانه) هو حيث تقلع الطائرات.. * والاقتراح (المجنون) هذا يتحفنا به قارئ آخر يسمي نفسه (صالة المغادرة).. * ثم إنه المكان الوحيد كذلك الذي يمكنك أن تترك فيه خلفك من بين ما تترك أدوية القرحة والضغط و(العصبي) و......... علي محمود !!!! الجريدة [email protected]