تداعيات ===== يحيي فضل الله ======== الفاتح لطافة ========= (( قلت لي بطيخة ؟ لا جميل ، إنتي ما عرستي قارون )) (( فيها شنو يعني ؟ و اعمل حسابك ما تكون بيضاء)) (( الغريبة ، إنك لازم تشهي )) صفع في وجهها الباب و خرج ، حين صرخ الباب بكل صلصلة حديده ، وقفت سوسن مدة تكفي تماما لامتصاص الصفعة ، كانت تحاول ان تخترق بنظراتها الباب ، كأنها تراه الان يقف امام الباب ، يمد اليها لسانه بكل سخرية الدنبا ، يضع كفه علي فمه و يضحك تلك الضحكة المكتومة ، تناولت ثوبها ، متأكدة من معرفتها لزوجها ، اسرعت ، فتحت الباب ، نظرت الي يمينها ، كانت تتوقع ذلك ، فهاهو زوجها الفاتح لطافة يثرثر مع تاج الدين - صاحب البقالة التي علي ناصية البيت ، لم تكلف نفسها ادني مجهود كي ترهف السمع ، كان الفاتح قد خرج من البيت بعد ان خرج من شخصيته المنزلية الصارمة و الحادة ، ها هي سوسن تراه من خلال إنفراج معقول جدا بين ضلفتي الباب ، كان يرقص ، يتراقص بكل طرب الدنيا ، يملأ بصوته الهدار كل الفضاء (( هي لكين ما جننكم ، ياخي يا التاج ، ده خلاكم تتلفتوا زي بتاع الغوريبه ، ما تقول لي دفاعكم كان فيهو ثغرات ، الود زاتو شيطان ، حريف ن يلعب بالبيضة و الحجر )) واربت سوسن الباب بهدوء اليف ، دخلت الي حيث وحدتها ، نظرت الي الساعة ، احست بعزلتها حين عرفت ان موعد رجوع الاولاد من المدارس لا زال بعيدا ، جلست علي السرير، وقفت ، تناولت مجلة من المنضدة القريبة ، رجعت الي السرير ، قلبت المجلة ، استرعي إنتباهها عنوان يقول (المشكلات العالمية لعصرنا الحاضر ) ، تنفست بعمق ، نظرت الي السقف ، إبتسمت قبل ان تدخل في قراءة الموضوع . عرفت نهي في ذلك اليوم معني الدهشة ، حين كانت تتجول في فناء المدرسة - الثانوية العامة - تبحث عن شلة من الصديقات إستوقفتها إحدي البنات (( إنتي يا نهي ابوك إسمو الفاتح لطافة)) (( اي ، ليه ؟ )) (( بس ابوي كان بحكي عنو)) (( بحكي عنو شنو؟ )) (( هو كان بتونس مع ماما و تكلمو عنو و بعدين بابا سألني منك )) (( يعني كانو بيقولو شنو ؟ )) (( قالو ابوك راجل لطيف ، يعني راجل بحمل لقبو ، صح يا نهي ؟ )) أجابت نهي بضحكة غريبة ، احست بمقلوب هذا العالم ، لم تتحمل العكس ، فكرت في ان والدها لا يحمل هذا اللقب في البيت ، تختفي تلك اللطافة التي يلقبونها به ، تري اين تختفي ؟، لم تكن نهي بحجم هذا الاختلاف و لا تملك ذاكرتها الا ان تذهب نحو تأكيد ذلك الاختلاف ، لقد رأته مرة يقذف سوسن والدتها ببراد الصيني الذي أخطاها و تناثر الي شظايا حين إصطدم بالحائط ، تري كيف حصل ذلك المتجهم الصارم علي هذا اللقب ؟ - الفاتح لطافة - إنها متاكدة تماما من ان والدها خال من تلك التي يسمونها لطافة ، إمتصت نهي دهشتها ، اخفتها هناك في الخبايا و استمرت تتجول في فناء المدرسة . البيت صامت ، نهي تلوذ بغرفتها و يهرب عاصم و مهند من البيت ، يبدأ كل البيت في الاستعداد لحالة الصمت هذي من العصر ، تنهال علي الاولاد كمية من الاوامر لا يملكون الا تنفيذها ، عادة ما يحدث هذا حين ينقل التلفزيون مبارة القمة - الهلال و المريخ - ، يستعد الفاتح لطافة من وقت مبكر لهذا الامر الهام ، ومن مظاهر اهميته انه الان بالبيت و هو الذي اعتاد ان يكون البيت بالنسبة له مجرد مكان للنوم ، في اوقات كثيرة كان عادة مايدخل البيت كي يخرج . يجلس الفاتح لطافة بتوتر غريب امام التلفزيون ، حقة التمباك و علبة السجائر علي المنضدة ، كوب ماء ، اقراص البندول ، الراديوالصغير تحت المخدة استعدادا لكل الطوارئ ، يمكن جدا ان تختفي الكهرباء ، يصرخ بصوت عال ((الجبنه يا جبنا سوسن لا تستجيب مطلقا لصرخاته ، بهدوء اليف تستقبل حالاته المعروفة ، تنظر اليه و هو يطفئ السيجارة ليقذف بسفة في فمه بطريقة شرهة ، تتابع لسانه و هو ينظم امر السفة داخل الفم ، تنظر اليه و تبحث عن ذلك الذي عرفته في السابق ، تتجول داخل ذاكرتها و لاتعبأ مطلقا بتلك الصرخات التي لا تفتئ تطالب و تطالب ، تبتسم حين تلاحظ إختفاء مهند و عاصم من البيت ، هروبا من الطلبات الكثيرة ، تلتقط من ذاكرتها ذلك الفاتح ، حين كان خطيبها ، نفس المباراة- هلال مريخ - ، قبل سنوات خلت ، كان الفاتح وقتها ينضح بالحب ، يثرثر في كل شئ، لا يظهر الا ما هو مفرح تجاهها ، يغضب بإنفعال حين تخلف موعدا او حين تختفي مدة دون ان يراها ، نفس المباراة ، إقتحم الفاتح منزلهم في ذلك العصر ، جاء مصرا علي رؤيتها حين تعذر عليها ان تذهب اليه في الحدائق حسب اخر إتفاق باللقاء ، كان البيت خاليا الا منها و جدتها حبوبة مسرة ، جاء مقتحما يحمل شوقه الذي غلفه الغضب او هكذا كانت تحس به في ذلك اليوم (( يا نهي ، يا بت يا نهي ، جيبي العرديب من التلاجة )) نفس المباراة ، كانت تجلس بجانبه و هو يشاهدها في ديوان منزلهم ، تذكر المباراة و هوفي قمة الاعتذار ، سأل عن التلفزيون ، اجلسته سوسن في الديوان بخجل حقيقي و خوف من اي تفسير طارئ من حبوبة مسرة ، جلس الفاتح امام التلفزيون بنشوة واضحة و أخذ يثرثر معها(( شايفه ده ، اي ، نمرة عشرة ده ، ده ياهو زاتز القلتوليك ، بعدين ده سامي عز الدين ، كان اساسا بلعب حارس مرمي في الدورة المدرسية ، ايوه ، ده عبدو الشيخ بالمناسبة لاعب ممتع ، حريف ، فتحي فرج الله ده اساسا كان لاعب باسكت ، كان في الفريق القومي بتاع الباسكت سجلو المريخ من اهلي الابيض )) (( يا بت يا نهي ، ما قلنا جيبو العرديب ده من التلاجة )) وتستمر سوسن في إلتقاط ذلك الفاتح القديم من ذاكرتها وتهرب من هذا الصوت الآمر الي درجة الصراخ الي الصوت السابق الحميم(( عليك الله يا سوسن ده لاعب نص ؟ ، في لاعب نص بثبت الكورة بي ساقو ؟ ، بالمناسبة لاعب النص لازم يكون احرف زول في الميدان لانو صانع العاب و اغلي لاعب في الميدان و بعتمد عليه الفريق ، ايوه ، شابفه الحايرفع الكورنا ده ، ده اسرع جناح في البلد)) (( انت مدرب غبي و لاشنو ، ده لاعب بغيرو ، غبي )) يصرخ الفاتح لطافة في وجه التلفزيون ، يصرخ بكل حماسه و كأنه يخاطب المدرب وجها لوجه ، سوسن تترك الفاتح الذي كان في ذاكرتها و تبتسم ، تقرر ان تتسلي بالمقارنة اكثر، المقارنة بين الفاتح القديم و الفاتح الذي امامها ، تحركت نحوه ،جلست بجانبه علي السرير ، إلتفت الفاتح نحوها إلتفاتة عادية ، قررت سوسن ان تستدعي ذلك الزمن ، نظرت اليه بعمق ، لاحظت بتركيز شفيف بياض شعره ، قررت ان يتداخل ذلك الزمن و هذا الزمن (( المباراة بين منو و منو ؟)) (( ........................... )) (( قلت ليك يا الفاتح ، المباراة بين منو و منو؟ )) هلال مريخ)) إجابة قاطعة و نهائية ، صمتت سوسن مدة إسترجعت فيها ذلك الحماس الدافئ القديم و عادت الي رغبتها في خلط الازمنة (( اللابسين ازرق بي ابيض ده المريخ ؟ )) (( لا ، ده الهلال )) (( عليك النبي و الله قايلاهم المريخ )) (( يا وليه عليك الله ما تنحسبنا)) (( انت يا الفاتح زمان المريخ مش كان بلبس ازرق ؟)) (( المريخ يلبس ازرق ؟ إنتي مخرفه )) (( الهلال زمان ما كان بلبس احمر )) (( ياوليه ، إنتي عندك عمي الوان ، غوري من وشي ، مالك إنتي و مال الكوره ، زحي من هنا ، ما توترينا نحن برانا متوترين ، الزمي حدودك هناك ، إترمي هناك ، ما تنحسينا)) إختلطت ثورة الفاتح لطافة بشفافية ذاكرة سوسن ، كانت سوسن قد قابلت تلك الثورة ببرود لانها كانت تسمع في نفس الوقت نفس الصوت و هو ياتيها من بعيد ، من حيث هناك ، من حيث كان الفاتح حميما ويختلط ذلك الصوت بخشونة و تبرم صوت الفاتح الراهن الذي امامها ، كانت سوسن تنظر بآسي عميق في بياض شعر الفاتح و هي تستعيد تلك الالفة و ذلك الحماس القديم(( ايوه ، شايفه الحيرفع الكورنا ده ، ده اسرع جناح في البلد)) من تلك الليلة الاولي كانت سوسن قد احست بالإنقلاب في شخصية الفاتح ، لازالت تذكر تلك الحادثة ، علي سلالم الفندق و هي ترفل في بياض حالة كونها عروس ، كان الفاتح يمسك بها و هي تصعد درجات السلم نحو الغرفة ، كان حريصا عليها(( اعملي حسابك ، الكعب العالي ، ايوه ، براحه براحه براحه ، اعملي حسابك ماتقعي )) حين خرجا من الغرفة في ظهيرة اليوم التالي ، اليوم التالي مباشرة لتلك الليلة الاولي ، تعثرت سوسن علي نفس السلم فصرخ فيها الفاتح بغضب حقيقي (( عميانه ، ما تعايني قدامك )) [email protected]