ونحن فى نهايات شهر فبراير من هذا العام يكون قد مر على اقليم دارفور عشرة اعوام منذ اندلاع القتال فيها , فقد استولى مقاتلى حركة جبش تحرير السودان على محافظة (قولو) فى اواخر شهر فبراير من العام 2003م كاول معركة لهم واعلنوا عن انفسهم باسم (حركة تحرير دارفور) ما لبث إن تطور الاسم لتصبح حركة جيش تحرير السودان . لم يمض أشهر الا إن أعلنت عن حركة اخرى ذات توجهات اسلامية هى حركة العدل والمساواة وقبل بروز الحركتين كانت هناك اعمال نهب وسلب شبه منظمة معظمها تقوم بها مليشيات الجنجويد والتى تتكون اغلبها من القبائل التى تنتسب لاصول عربية وهذا بالطبع لاينفى ضلوع قبائل أخرى ليست لها علاقة بالقبائل العربية فى ذات الاعمال الوحشية والفظائع , ثم دارت عجلة الصراع وتأججت نيرانها اكثر بعد إن استعانت الدولة بعصابات الجنجويد لقمع التمرد . ولكن اذا ما تتبعنا قراءة المشهد فى جوانبه الإنسانية فسوف نطالع عشرة أعوام من الفظائع والقتل والمرض والجوع والاغتصاب والنزوح والتشرد , جيل كامل نشأ داخل معسكرات اللجوء والنزوح والتى اطلق عليها بعضهم اسم (زرائب الموت) جيل بأكمله مضى فى أتون محرقة مؤلمة والعالم يشاهد ذلك فى صمت مريب والأدهى والأمر إن الشعب السودانى والسياسيين تحديدا ظلوا ينظرون لما يحدث فى دارفور بنوع غريب من اللامبالاة وعدم الفاعلية والاهتمام وكأن ما يحدث يدور فى تشاد او افريقيا الوسطى والاسوا جدا إن بعضهم حاول توظيف تلك الاحداث المؤلمة لمصالحه الخاصة او لمصلحة تنظيمه ومنهم ابناء الاقليم انفسهم , ولكن تلوح بعض الاشراقات من قبل شخصيات وتنظيمات مدنية حاولت إن تلعب دورا ايجابيا بغية ايجاد مخرج افضل لحلحلة عقد الصراع غير إن متنفذى دولة المؤتمر الوطنى وضعت عقبات ومتاريس كثيرة امامهم فهى ترى إن الحلول يجب إن تكون وفق طريقتها ومنهجها المعوج فى ادارة كل شىء . اتفاقيتين تم توقيعهما لنزع فتيل الازمة حوتا فى داخلهما كومة من الاتفاقات الزائفة والمصطنعة والمستنسخة فشلت كلها فى ايجاد مخرج سليم لازمة مستفحلة وزاحفة باصرار نحو حصاد مزيد من الارواح ,الاولى كانت اتفاقية (ابوجا) التى تم اعلان فشلها هى وتوابعها رسميا فى اواخر العام 2011م باعلان حل كل مؤسسات تنفيذها , بعدها وقعت اتفاقية (الدوحة) وقد بدت بوادر فشلها ايضا رغم الضجيج العظيم الذي صاحبت الدكتور تجانى منذ حلوله بالخرطوم كمنقذ لضحايا دارفور من براثن الموت والضياع تتمثل اولى بوادر الفشل فى : عدم ايفاء الطرف الآخر بالتزاماته بقصد او دون قصد , وتناقص مؤيدى الاتفاق من قبل المواطنين وخاصة اللاجئين والنازحين (وهنا يجدر بنا إن نشير الى تصريحات الدكتور فى اواخر العام الماضى بنيته تفكيك المعسكرات واعادة النازحين الى اماكنهم رغم عدم توفير الامن ولم تتم محاكمة الذين اجرموا فى حقهم ولم يتم تعويضهم مما اوحى لهؤلاء المساكين إن الدكتور ماضى فى سبيل اعادة تسليمهم الى جلاديهم مرة اخرى ليلقوا مصيرهم المحتوم ) وعرقلة اداء آليات تنفيذ الاتفاق لمهامها كالصراع المحموم بين والى شمال دارفور ورئيس سلطة دارفور مما حدى بالاخير نقل مقر ادارته من مدينة الفاشر فى شمال دارفور الى مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور . والشكوى المريرة للدكتور سيسى عما يعانيه ووزراءة من ضيق وعنت ونقص فى وسائل اداء مهامه اضافة الى الشاهد الاكبر وهو الغياب التام للامن بكل ولايات دارفور الخمسة بل ازدادت وتائر الصراع والقتال بالاقليم بشكل اعاد الى الاذهان صورة الاوضاع المأساوية فى اعوام 2003 , 2004م رغم تصريحات كل من الدكتور سيسى والوالى كبر إن الاوضاع الامنية فى الاقليم قد تحسنت ولكن ما يتوارد من اخبار والشواهد تنفى صحة تلك المزاعم . الغرض من اتفاقات السلام هو توفير قدر من الامان والسلام للعامة بحيث يتمكنوا من مزاولة حياتهم بصورة طبيعية دون خوف او تهديد من اى نوع ولكن الآن المعارك تدور فى كل من السريف بنى حسين وبليل ودريب الريح وامقونجا وسربا وصليعة وجلدو وشرق جبل مره وغربها ويوميا تتوارد شكاوى النازحين من القتل والاختطاف والاغتصاب ويوميا تتوارد شكاوى المواطنين عن التهديد والنهب والسرقات حتى داخل المدن الكبيرة مثل الفاشرونيالا والجنينه والضعين وكتم ... وغيرها . وغير بعيد احداث بنك الخرطوم ونهب مرتبات موظفى اليوناميد ثم اجتياح محكمة نيالا لتخليص المتهمين من بين يدى القاضى نفسه وليست الشرطة ثم احداث بنك الثروة الحيوانية ونهب مرتبات موظفى وزارة الزراعة يحدث كل هذا ونحن فى ظل اتفاق (الدوحة) لسلام دارفور ورغم كل هذا يجتهد طرفى الاتفاق فى اقناعنا بان السلام اصبح واقعا معاشا وان الاوضاع الامنية قد تحسنت والكل يجد صعوبة بالغة فى فهم كلمة ( تحسنت) هذه فهل هى نفس الكلمة المعروفة ام اخرى قد تم استحداثها بمعانى ومدلولات جديدة , يحدث كل هذا امام سمع وبصر الدولة ثم تاتينا مثل تلك التصريحات , هذا اذا لم نضع فى الاعتبار توقيع (ميثاق الفجر الجديد) التى شاركت فيها حركات دارفور بفعالية عالية جدا وما سيترتب عليه من متغيرات على الارض . اذن هى عشرة اعوام والقتال تاخذ منعطفات جديدة فغير (ميثاق الفجرالجديد) يندلع قتال بين قبيلتى (التاما) و(البنى هلبه) بمنطقة (كتيله) فى ولاية جنوب دارفور وقبلها كان هناك صراع آخر بين قبيلتى (البنى حسين) و(الرزيقات الاباله) فى منطقة (جبل عامر) محلية السريف بولاية شمال دارفور يتم فيها استخدام اسلحة متطورة بما فى ذلك المدفعية الثقيلة والصواريخ وهذا تطور فى غاية الخطورة فيما يتعلق بالصراعات القبلية , ثم تأتينا انباء مثيرة للقلق عن وصول مقاتلى تنظيم القاعدة الفارين من مالى الى دارفور , وتهديد حركات دارفور بانها ستتصدى لها مما ينذر بتطور الصراع شكلا ونوعا وتوجها الى مرحلة اخرى اكثر دموية ما لم يتم تدارك الامر . فالصراع بدا بعمليات نهب وسلب من قبل عصابات الجنجويد تطور الى صراعات بين القبائل تدرج نحو صراع بين المتمردين والدولة ثم الى صراع موارد وسلطات والسيطرة عليه والآن ينذر الامر الى صراع ايدلوجيا وثقافات وحتما هذا سيجر طائرات بدون طيار امريكية الصنع ومنجزرات المانية وطائرات فرنسية الى المنطقة (لاقدر الله) عشرة اعوام وما تزال سماء دارفور ملبدة بسحابات القلق والخوف من تطور الصراع واتجاهات المعارك واساليبها ولا ندرى ما مصير اهلنا البسطاء فبدلا من إن نرى بدايات حلحلة للمشاكل وتباشير عودة النازحين واللاجئين الى قراهم وفرقانهم ومناطقهم نشاهد ما يزيد عن المائة الف نازح جديد من مناطق السريف بنى حسين وكبكابية ينضمون الى جيوش النا زحين فى كتم والفاشر . رغم سواد الرؤية وضبابيتها فهناك ثمة اشراقة ضئيلة تلوح من بين كل هذا الركام فثمة جلسات للتفاوض بين الحكومة وحركة العدل والمساواة جناح محمد بشر يجرى الآن فى الدوحة وغالبا ما سيفضى الى اتفاق بين الطرفين وسيكون قد تم اسكات عدد من البنادق والمدافع عن اطلاق الرصاص فى دارفور , وهذا فى حد ذاته عمل جيد ولكن هل هذا يمثل حلا جذريا للازمة ويامن الناس فى بيوتهم ومزارعهم واسواقهم ؟؟؟؟ نامل إن يحدث ذلك , وان يسعى حكومة المؤتمر الوطنى فى طريق الالتزام بما يتم الاتفاق عليه حتى يوحى للاخرين بان هذا الحزب قد تغير درجات نحو الاحسن وحينها قد يفكر الاخرون فى التفاوض ايضا . عبدالقادر قدورة حركة تحرير السودان 2مارس2013 [email protected]