فلندع سياسات الدولة السياسية والاقتصادية والزراعية والمالية وسعر الصرف ومفاوضات اديس، وازمة ابيي ونيران جبل عامر وغزو الجراد وشواذ الخرطوم، جانباً، ولنتأمل معاً في (المانشيت) الرئيس الذي خرجت به صحيفة (السوداني) بالأمس والذي كان يقول: "البحوث الجنائية: لا نستطيع تفتيش مصانع اللحوم لأنها (محمية من فوق)"... الفريق/ محمد أحمد أونور قال إن دائرة المباحث الجنائية القومية لديها إحصائية بعدد المصانع العاملة بالخرطوم ومعرفة المصنع (الجيد والرديء) ولكن لا تستطيع أن تقوم بالتفتيش لأن المصانع محمية، ومن البوابة "ما بندخل" لأنها (محمية من فوق). عندما اتت الصحفية النشطة سلوى حمزة بهذا الخبر إلى (المطبخ الصحفي)، ألجمتني الدهشة والحيرة - وسألت نفسي: هل وصل بنا الحال إلى هذا الدرك الاسفل من انعدام الضمير والانسانية، وصار الثراء عبر المتاجرة بأرواح الناس - مصدر الدهشة في الخبر أن الذي صرح به هو عميد معهد البحوث والدراسات الجنائية والاجتماعية بجامعة الرباط الوطني الفريق/ محمد أحمد أونور... اي أن ما يراه أونور من (فساد) صار فوق طاقة احتماله، ففجر الامر في منتدى حماية المستهلك (وزي ما تجي تجي)... حقيقة اعجبتني صراحة وشجاعة سعادة الفريق أونور، لانه قليل جداً من الذين يتقلدون منصبا رسميا، يصرحون علنا بالعيوب والفساد، إلا بعد أن تتم إقالتهم وإبعادهم عن الكرسي. قبل أسبوع كشفت نيابة حماية المستهلك، والهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس عن ضبط مزرعة دواجن بالسامراب شمال بحري يديرها أجانب غير مطابقة للمواصفات يقومون بحقن الفراخ بهرمونات ومحفزات للنمو تسبب السرطانات والفشل الكلوي. وللمعلومية، فالهرمونات التي تحقن للفراخ واللحوم لا تسبب السرطانات والفشل الكلوي فقط، بل تعمل على افراز الهرمونات الانثوية للذكور... اها الشغلانة كمان جابت ليها (كسرة)!!!. الخبير في مجال اللحوم أزهري عوض الكريم قال إن مادة (نترات الصوديوم) وهي مادة سمية ممنوعة تضاف ل(المرتديلا) حتى يصبح لونها ورديا، تسبب الانيميا، والسرطانات. في الصين عندما تم اكتشاف تلوث حليب الاطفال بمادة الميلامين في عام 2009، تم تنفيذ حكم (الإعدام) على العديد من منتجي الحليب، وبعض المسؤولين في الحكومة الصينية الذين ثبت تورطهم في القضية. قبل أن نطمع في إعدام مصنعي اللحوم الفاسدة في السودان – لم ولن يحدث – دعونا نحلم بكشف (الناس الفوق) الحامينهم... ويا ناس حماية المستهلك ويا دكتور ياسر ميرغني، مالكم خايفين، ولا الناس الفوق ديل ماسكين ليكم حاجة؟!. عرفنا فقه (السترة) في عهد الانقاذ، بحيث اصبح في السودان إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف اقاموا عليه الحد، لكن الامر الآن تجاوز سرقة الاموال والتجاوزات والتجنيب واستغلال النفوذ، ووصل الامر إلى سرقة ارواح الناس بغرض التكسب والثراء الحرام. إلى رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، خوفا على ارواح الابرياء في بلادي، اقول يجب، أن تتخذ اجراءات طارئة وسريعة، تكشف لنا (الناس الفوق) أولاً، الذين بفسادهم وتسترهم على التجار الفاسدين، يهلكون النسل والمستقبل. [email protected]