في السودان وتحديدا في محافظة الخرطوم " أم درمانوالخرطوم والخرطوم بحري " هناك مجموعة من المقابر الشهيرة مثل : البكري – أحمد شرفي – فاروق –الصبابي - حمد النيل – حمد النتيفة – الصحافة ، طبعا إلى جانب مقابر أخرى مثل السلمة – الجريف غرب – الرميلة ، ومقابر المحافظات الأخرى ، إنزعج صديقي إنزعاجا شديدا عندما سألته ذات مرة عن أحوال المقابرفي السودان ، إذ قال لي : شنو يا بدرالدين خلاص إنت مودع ؟ ضحكت وقلت له : أبدا لأنه عندنا هنا في تورنتو مقبرة شهيرة جدا في منطقة تسمى " بيكرينج " وارينا فيها الثرى أسماء مرموقة لا تختلف كثيرا عن أولئك الرائعين الذين جمعتهم مقابر فاروق ، ولكني أسألك لأن ذكرياتي عن مقابر البكري مثلا مؤلمة ومريرة نظرا لفقرها وعدم الإهتمام بها ، قال لي " أنت قلتها تلك ذكريات " ألم تسمع الفنان عثمان الشفيع يغني الذكريات . وأقول ذكريات أليمة ومرة لأني شاهدت معظم المقابر أعلاه يجمعها الإهمال الشديد ، وكان آباؤنا وأجدادنا وحتى أشقاؤنا الكبار عندما يريدون تخويفنا ومعاقبتنا يطلبو ن منا أن نقطع مقابر البكري من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق ، وأذكر أن ذلك كان أشد أنواع العقاب ، وكان إذا قابلنا " صرصور " نرتعد ونخاف منه ، وأظن بسبب هذا الإهمال للمقابر في الكثير من البلدان العربية تحولت إلى أوكار للجريمة وبيع المخدرات والدعارة ، وفي معظم زياراتي لهذه الدول كنت حريصا على زيارة المقابر ، لأني كنت على قناعة أنها الوجه الصادق للدولة ، إلى أن حط بي الرحال في كندا ، وشاءت الظروف أن تقودني قدماي إلى الكثير من مقابر كندا ، فشاهدت في مقابر المسيحيين العجب ، أشجار وورود وأزاهر ومياه تجري من تحتها الأنهار ، يعني بصراحة مقابر تتمنى أن تجد فيها سكنا ، طبعا هذا هو التكريم الحقيقي للموتى ، لأن إكرام الموتى حسب فهمي المتواضع يتم في شقين – خدمي ويتمثل في نظافة المقابر وإنارتها وتسويرها وتشجيرها وتزهيرها وشق الطرق فيها وتوصيل المياه إليها ..إلخ ، والشق الثاني حسب فهمنا للإسلام فيتمثل في تجهيز الميت من حيث الغسل والتكفين . وعلى سبيل المثال وأثناء تواجدي في الكويت زرت مقبرة على الحدود الإيرانية العراقية ،وبالطبع أخفينا هذا الأمر عن أقرب الأقربين فوجدت أن الإيرانيين صراحة أحسنوا لموتاهم ، فالمقبرة تكسوها الأشجار الظليلة والزهور ، وكل قبر مكتوب عليه تاريخ الوفاة بطريقة جميلة جدا وأهالي المتوفين يجلسون أمام القبور باحترام شديد لدرجة أن سائقي " رحيم الإيراني " قال لي : الواحد يتمنى الموت والدفن في هذه المقبرة ! لن أحدثكم عن المقابر الكندية التي ساقتني قدماي إليها خاصة للمسيحيين وآخرها المقبرة التي تم فيها دفن والدة الشقيق العزيز نادر إبراهيم " حلة " ، السائق قال لي بعد إنتهاء الدفن : يلا يا بدرالدين ، قلت له ما راجع ، قال لي ولماذا ؟ قلت له : لأنو ده أحب مكان وقبل أن أكمل أدار عجلة السيارة وتحرك فأعفاني من تكملة الأغنية ! في يوم من أيام الهدوء النادرة في تورنتو جالت بخاطري عقد مقارنة بين مقابرنا ومقابر كندا وتحديدا مقابر البكري وأحمد شرفي ومقابر بيكيرينج ، ففي هذه الأخيرة أحس أن الميت حي أما في مقابر البكري وأحمد شرفي أحس أن الميت رغم مكانته " فطيس " ، وتخيلت في اليقظة أني أحد أموات مقابر البكري فشاهدت أحدهم يتبول في المقبرة فانتهى خيال اليقظة بالموت ثانية . المقابر عندنا لا تجد الاحترام والتقدير والتقديس، انظروا إلى مقابر المسيحيين في أية منطقة من المناطق، لا أظن إن أحداً سوف يتجرأ لممارسة أي نوع من أنواع الممارسات السيئة بداخلها أو خارج أسوارها، الإنسان عندهم حي وميت يجد الاحترام والتقدير والزيارة، أما مقابر المسلمين الإنسان حي وميت لا يجد التقدير والاحترام. المقابر بها معظم الأهل المتوفين من الأسرة ، الأب والأم، والأخ، والأخت، والعم، والخال، والصديق، لذلك ينبغي أن تجد هذه المقابر الاحترام والتقدير. قال لي صديقي : إن عددا من طالبات الجامعة الإسلامية عندما يريدن الخروج من الجامعة أثناء المساء ، يصعب عليهن قطع المقابر إلى الجهة الأخرى (شارع الوادي) ، والمقابر مظلمة خوفاً من تربص أصحاب النفوس المريضة ، فتخيلوا بين مقابر تحس فيها بالأمان ومقابر تحس فيها أنك مفقود مفقود. حكاية : واحد أخونا مات ، عمرو ما صلى ، قام الجماعة شالوه ووصلوا باب مسجد مقابر البكري عشان يصلوا عليهو وبعدين يدفنوه ، لكن واجهتم مشكلة ، كل ما يجوا يدخلوا الجنازة تلف شمال ويمين ، قام واحد وسوس في أضان الميت ، وبعدها على طول الجنازة دخلت المسجد ، الجماعة استغربوا ، قال ليهم أصلي قلت ليهو ياخي انت ما حتصلي هم الحيصلوا عليك !!! بدرالدين حسن علي [email protected]