طالعت مقالة الدكتور احمد الياس حسين التي نشرت "بسودانايل" يوم الاثنين 18 فبراير 2013م حيث اورد الكاتب عن "مكمايكل" ما يلي: " من احدي عوائد العبدلاب أن شيخهم كان عرضة للقتل في أي وقت. ويتم ذلك علي يد أحد أبناء عمومته. فاذا قرر أحد أبناء العم قتل الشيخ يخبره بذلك ويوافق الشيخ خشية وصمه بالجبن في حالة الرفض. فيستعد الشيخ للقتل ويحلق رأسه ويصلي ثم يضع سيفه أمامه ويجلس متجها نحو القبلة منتظرا قدوم ابن العم. ويأتي ابن العم ويطلب الاذن بالدخول، فيدخل ويقف خلف الشيخ ويقطع رأسه دون أن يقول شيئا، ثم يدخل زعماء القبيلة ويضعون الطاقية علي راس ابن العم رئيسا جديدا للقبيلة. وكانت هذه عادتهم منذ القدم." !! القدم الذي تحكي عنه المخطوطة هو الفترة بين الأعوام 910 الي 1235ه ( 1504 الي 1821م) وقد حكم خلال تلك الفترة اثنان وعشرون من مشايخ العبدلاب أولهم جدهم عبد الله جماع وآخرهم الشيخ ناصر الذي حضر الغزو التركي. بعد قراءة مقالة الدكتور احمد الياس، رجعت الي المراجع التي تفصل تاريخ العبدلاب وهي “مشيخة العبدلاب" للبروفسير محمد صالح محي الدين و"تاريخ السودان" لنعوم شقير و"كتاب الطبقات" لمحمد ود ضيف الله وأسفت أن مكمايكل ليس في متناول يدي. لم أجد في أي من هذه المراجع اشارة لأي قتل طقسي ولم أجد ما يفيد بأن ابن العم هو الذي يحدد الشيخ الجديد، بل ان زعماء القبيلة هم الذين يرشحون الشيخ الجديد. ولا يتقيدون .بترتيب وراثي معين فهم يتحرون الأصلح بين أولاد عجيب. والأصلح هذا قد يكون الابن أو الأخ أو العم أو ابن العم. المهم أن يكون من سلالة الشيخ عجيب المانجلك، ابن الشيخ عبد الله جماع. عند تصنيف مشايخ العبدلاب الاثنين والعشرين نجد أن أربعة فقط خلفهم أبناؤهم وستة خلفهم اخوانهم وأربعة خلفهم أعمامهم بينما سبعة خلفهم أبناء أعمامهم. فاذا حصرنا بحثنا في السبعة الذين خلفهم أبناء أعمامهم نجد أن ثلاثة منهم كانت نهاية حكمهم بالوفاة الطبيعية واثنان عزلا "لم يقتلا" هما مسمار بن عريبي وحمد السميح بن عثمان الذي عزل ونفي الي دارفور حيث لا تزال ذريته هناك. لم يصل الصراع علي السلطة حد الاقتتال الا في أواخر حكم الأسرة، قبل فترة وجيزة من الغزو التركي. لم يقتل احد من شيوخ العبدلاب بيد أقربائه الا اثنان هما الشيخ عبد الله الرابع الذي حاربه ابناء عمه وقتلوه علي أرض المعركة، انتقاما لوالدهم محمد الامين مسمار اما مقتل الشيخ محمد الأمين مسمار فيصفه بروفسير محمد صالح محي الدين كما يلي: " وجاء في وصف الظروف التي قتل فيها الشيخ الأمين أنه كان مقيما بحلة ود بانقا بين قرّي وشندي، وجميع أولاده غائبون في اقليمدنقلا، لإخماد ثورة هناك، فلما رآه خصومه: أبو ريده ولد خميس وعبد الله الرابع والأرباب بن الفحل، علي انفراد، هموا بقتله ولكنهم عجزوا عن الهجوم عليه بسبب ما يعلمون من شجاعته وقوة بطشه، لذلك احتالوا الي أن صعدوا أعلا البيت الذي كان يقيم فيه، وأزالوا سقفه ومن ثم بدؤا يرجمونه بالحجارة وبالحراب والسلطيات- وهم علي بعد- حتي تسني لهم أخر الأمر- قتله، بعد أن ملك عشرين عاما، ودفن بجوار الشيخ صالح ود بان النقا." كان الامين مسمار محاربا شجاعا مهابا خاض معارك كثيرة ويحسب حسابه الفرسان. وكان من شيمته وشيمة الرجال " الأرابيب" من قبيلته أنهم لا يفرون ولا يتقهقرون ولا يلتفتون خلفهم مهما أحدق بهم من خطر، ولذا اضطر قتلته لصعود أعلا البيت ونزع سقفه لعلمهم أنه لن يلتفت خلفه ولن يفر من أمامهم. ولعل في سيرته ما يؤكد انه ليس بالشخص الذي يتخلى عن حياته بالسهولة التي ذكرت، أو من يتخلى عن الملك لابن عمه وله ابناء محاربون من صلبه . مما سبق نري أنه لم يكن هناك أي قتل طقسي بين مشايخ العبدلاب وأري أن مثل هذه المعلومة التي وردت عن العبدلاب في مقال د/ احمد الياس، مكانها الدوائر العلمية والمجلات المتخصصة حيث يمكن أن تجد من يخضعها للنقد والتمحيص، فأما ان يسلم بها أو تدحض، أما طرحها لغير المتخصصين في الصحف السيارة – ورقية أو رقمية – فهو مدعاة لأن يتناقلها العامة بدون تدبر حتي تصبح حقيقة بالتواتر .ويبدو أن د/ احمد نفسه قد اعتبر ما ورد في المخطوطة حقيقة مسلم بها وراح يتساءل:" من أين اكتسب العبدلاب هذه العادة!" ينسب العبدلاب الي عبد الله جماع الذي سمي جماع لجمعه القبائل العربية علي أرض السودان تحت راية واحدة ثم دخل بهم في حلف مع الفونج بقيادة عمارة دنقس. فكان ثمرة الحلف قيام أول دولة اسلامية علي أرض السودان. ومما يذكر عن تلك الدولة أنها المرة الوحيدة في التاريخ أن تقوم دولة اسلامية مكان دولة مسيحية دون أن تترك أي أثر للديانة القديمة، وهذا موضوع بحث آخر. دامت دولة الحلف التي اطلق عليها اسم السلطنة الزرقاء لثلاثة قرون وقد اهتم حكامها بالعلم والعلماء مما وضع الاساس المتين لسودان اليوم بإيجابياته وسلبياته. ففضلهم علينا عظيم ومن حقهم علينا أن نحتفي بتاريخهم ونتقصى دقائقه ما أمكن، لا أن نقف عند ما كتبه لنا الأجانب الذين نحمد لهم ما بذلوا من جهد لتدوين ما وصل اليهم ونحمد لهم ايضا أن علمونا وسائل البحث العلمي وتقصي الحقائق. علينا أن نبذل جهدا أكبر لنعطي جدودنا حقهم، فمن لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل. د. سليمان حسن اونسة [email protected]