لاجدال اطلاقا حول حقيقة أن افساد القوات المسلحة للمناخ السياسي اذا ما تدخلت فيه بصورة مباشرة، لا يقل عن تخريب السياسة لمهمة الجيش في حماية الوطن ، حينما يكون اقحامه في الصراعات السياسية مسخّرا لحماية نظام حاكم بعينه أو نصرة لتيار فكري ضيق الآفاق في فهمه لمسئؤلية الدولة وواجبات مؤسساتها من القوات النظامية والأمنية بصورة أشمل و بمعناها العصري ، فيصبح الجيش تحديدا منقادا لهما على مدى وجودهما في السلطة مهما طالت المدة التي يقضيانها في سيطرة مطلقة على زمام الأمور بأحادية الرأى وهما يريان فيه القدسية الطاهرة دون غيره من الأراء الأخرى التي يسفهانها ركلا بالاقصاء و الاستخفاف على غرار ما يسود في السودان من خلال حكم العسكر والحركة الاسلامية المتمثلة في المؤتمر الوطني أو سمهما ما شئت! الان بلغ السيل الزبى في وطننا السودان نتيجة لانسياق الجيش الأعمى لرغبات هذا النظام الذي سعى زبانيته منذ سنوات نظام مايو الأخيرة حينما تسلقوا شجرته الأيلة للسقوط كالسوس وقاموا بتجنيد كافة عناصرهم بانتقائية خبيثة من خلف غفلة نميري الذي خدروه بأحلام الخلافة التي أعقبتها السقطة من علياء طموحة الذي لم يكن يستند على سيقان الأهلية لمجرد ذلك التطلّع لاتحقيقه ، ومن ثم تواصلت تلك المساعى لاقتحام كافة فروع القوات المسلحة من تحت ابط سوار الذهب الذي أرخى لهم الحبل بقدرما أستطاع وبقية القصة لا تحتاج الى درس اضافي لتذكرها ! الآن البلاد فيها ثلاثة جيوش ، واحد معتقل سلطويا وعقائديا داخل أسوار الانقاذ الشائكة تقلدا للمناصب في المرتبات العليا بالولاء المتغلب على الكفاءة اضافة الى الاسترضاء بالحوافز التي تفصله معيشيا واجتماعيا عن بقية أطياف الشعب ، أما الرتب الخفيضة وصفوف الجند فهم الذين يقحمون في النيران بالأوامر معصوبي العيون ولا يملكون الا الانصياع ! أما الجيش الثاني فهو خارج ذلك السور ويكونه عشرات من حاملي رتبة الفريق واللواء وما دونهما الذين سرّحوا وهم من أكفأ القادة ، فمثلوا نسبة ضربت الرقم القياسي من حيث العدد ربما لم تصل اليها نسبة المسميات في أكبر الجيوش العريقة على مستوى المنطقة ، هذا اذ ما قارناها مثلا بعدد اللواءات من المحالين والذين مازالوا في الخدمة في مصر ، دعك عن عدد حاملي رتبة الفريق المحدودين هناك وهم يعدون على أصابع اليدين منذ حرب يونيو 1967 ! أما الجيش الثالث فهو مجموعة من الضباط المتشددين الى درجة الهوس الديني ، بعضهم أبعد ، خاصة في المحاولة المسماة بالتخريبية الأخيرة وبعضهم لا زال مختبئا في ملابس التمويه وهذا التيار مجتمعا يشّكل هاجسا مزعجا للحكم ولزملائه من القادة الموالين للنظام ، لانه يعتقد ان الانقاذ قد خدعتهم بابتعادها عن التطبيق الصحيح في نظرهم للشريعة ويتهمونها بالتعاطي المتراخي مع أعداء الدين كما يسمونهم من حاملي السلاح من الكفرة العلمانيين وهو تيار لا يخجل عن كفره بالديمقراطية منهاجا للحكم و الحرية مبدأءا للحياة العامة أو حتى الخاصة ! فبين فجوة ذلك المثلث سقط دور المؤسسة العسكرية بعيدا عن حماية الوطن بالمعنى الصحيح لدورها كجيش لا نستطيع أن نجرده من صفته الوطنية طالما أن أفراده سودانيون ، ولكننا بالمقابل لا نقوى على أن نعفيه من تهمة الانصراف عن حماية الثرى والحدود اندفاعا وراء نظام فقد بوصلة العقل ظل يدفعه على مدى ربع قرن نحو الحروب المتواصلة مع بني جلدته وليس ضد عدو خارجي يتهدد وحدة البلاد التي فرط فيها النظام فاستحق هو لقب عدو الوطن الأول الذي يتوجب على الجيش محاربته وليس الانجرار وراء انحرافاته وأمراضه وعقده المتأصلة وتصريحاته غير المسئؤلة وبالتالي انكساراته التي عبأت الالافا من أحذية الجنود الأجانب بتراب هذا الوطن الطاهر على مرأى من الجيش الوطني وكأن السلطة الغاشمة تمد له لسانها باستقدامهم عنوة أو خضوعا لضغوط ما ، وهي تنفي ضمنا مقدرة جيشنا على حماية ذلك التراب ، فيما تستخدمه وكأنه فاقد الوعي في محاربة شعبه المظلوم في الهوامش والأطراف وفي تناقض يدعو للضحك والبكاء في وقت واحد ! فهل يرضيك هذا يا جيشنا ونحن لازلنا نتوسم ونفترض فيك بقية من نخوة تركها وسما على محياك آبا ؤك الذين انحازوا للشعب في أكتوبر 64 والى حد ما في أبريل 85 . ونأمل في وجود رجال لازالوا من ابنائك يحّكمون الرشد ميزانا لقياس الأمور صونا للوطن من أيادي صبية الحكم غير الراشدين ، الذين نزعوا عنك سلاحك الحقيقي وهو مهمة الدفاع عن كرامة أهلك ولطالما عرفناه وعرفه العالم معنا ، فبات استخفافهم بك درجة أن يصبح والي الخرطوم ناطقا عسكريا باسمك ، فيعلن أن عجزك عن اجتياح قرية في حجم ابو كرشولا ،وانسحابك عن معاركها كان تكتيكيا حماية للأرواح وهو يعلم ، قبل غيره رغم جهله بمفردات لغتك ، أنه يتهمك صراحة بالهزيمة والخزي! ونحن اذ نتمنى صادقين أن تكون يا جيشنا قد أدركت سعة الفخ الناري الذي يعده لك هذا النظام باستفزازك للمزيد من المعارك مع أناس ما حملوا السلاح الا لأنهم ذاقوا من الظلم ما هو أدعى بجعلهم جاهزين لمواجهة الموت بديلا لحياة الذل في ظل هيمنة فئة من المارقين عن قيم الأمة تلبسا برداء زائف للدين الذي يتبرأ من اقوالهم البذيئة على حد سواء مثل رفضه البائن لأفعالهم الشائنة ! فاننا أيضا نرجو في ذات المقام أن يكون لك رأى صارم بل والكلمة الأخيرة اليوم وقبل فوات الآوان، فيما يجري من عبث طال أمده وتمدد لهيبه ! أما اذا ما تجاوز انحيازيك حدوده لدموية وعدم حكمة هؤلاء الحكام المتحجرين أو على الأقل ابتلعت صمتك عن قولة الحق حيال اتساع رقعة تدميرهم للوطن ، فستساق غدا الى محكمة التاريخ الوطني الناجزة مع هذا النظام الذي لوث ثيابك المشرفة دائما لك على مدى العصور بدما هي منك واليك وأنت تعلم ذلك جيدا ! ونقولها لك مرة أخرى .. هل يرضيك هذا ياجيشنا !؟ [email protected]