محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] ليس ببعيد عن الأذهان الوقفات الوطنية القوية لقواتنا المسلحة خلف الشعب وهي تحمي ظهره في كل العصور منذ أن تمت سودنته ، فكان جيشا سودانيا بحق يدين بالولاء للوطن وليس لنظام بعينه أو لفكرة محددة ، أو حتى لرئيس أو قائد في ذاته! ولعل موقفه من حكومة عبود عند اندلاع ثورة الشارع في أكتوبر 1964 خير دليل على وطنية ذلك الجيش الذي تمرد على أوامر السلطة القاضية بضرب الجماهير الهاردة في الشوارع كالبراكين ، مما جعل ظهر الحكم مكشوفا فرفع يديه مستسلما ، وأتجه الفريق عبود الى طاولة المفاوضات مع جبهة الهيئات القائدة للثورة الشعبية لوضع الترتيبات الخاصة بنقل السلطة بتلك السلاسة رغم سقوط ضحايا من الشهداء الأبرار في بداية الأمر على يد القوات الأمنية ! وحتي حينما قلب الشعب طاولة سلطة مايو رأسا على عقب ، كان موقف الجيش حياديا بالقدر الذي جنب البلاد بحورا من الدماء رغم ما حسب علي المشيرسوار الدهب وجماعته فيما تكشف لاحقا من تسهيلهم ممرات وجسور عبور الاسلاميين الى تحقيق مراميهم التي ندفع ثمنها الآن ، مسلسلات لا تنتهي من الحروب المتصلة التي فاقت حلقات المسلسلات المكسيكية والتركية مع الفارق في ماسي تلك الحروب ورومانسية تلك المساسلات التلفزيونية ،ورغم مكوث النميري ستة عشر عاما في الحكم لكنّه لم يسطوا على وطنية الجيش لا في تركيبته الديمغرافية ولا الجهوية ولم يجير ولاءه لمصلحة نظامه ولا لشخصه بالطبع رغم أخطاء نميري المتعددة التي تاهت به في مجاهل التخبط الذي أدى به الى الهاوية ، ولعل واحدا من أخطائه التي دفع ثمنها الوطن أنه قد اسلم لحيته وقيادها بالكامل في سنوات حكمه السبع الأخيرة ، فترك الخيط والمخيط لجماعة الجبهة الاسلامية والمهاويس من المشعوذين والدجالين الذي استغلوا غفلته في سكة بحثه عن ديمومة سلطته باي وسيلة وكيفا شاء حلفاؤه الخبثاء الذين نسجوا له من حرير الوهم حلة فرعون ، فجعلوه يخطر عاريا ومزهوا بخلافة لا يستحقها وقد منحها أياه من لا يملك ذلك الحق ! ومن خلال ثغرة تلك الغفلة تسللوا الى كل مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والتربوية وألأمنية ، ثم سربوا كوادهم الى القوات المسلحة التي جردوها من المعطيات الوطنية فالبسوها عباءة الولاء الأيدلوجي ركوبا على ذريعة المجاهدات ونصرة العقيدة التي اتخذوا منها وسيلة لغايات بعيدة تجلت الان في كل ما فعلوه بالوطن من فساد وتخريب في خدمته المدنية ونخرا في تماسكه الاجتماعي ، وتقسيما في ترابه الذي كان قبلهم يتعايش فيه أهل كل الأطراف بالحد المعقول من تساوي المواطنة رغم وجود التفاوت في معدلات التنمية وحقيقة المظالم التي كان بامكان ذلك التعايش واتساع رقعة الوعى أن يقاربا من هوة ذلك التفاوت سلميا ولو طال طريق الاصلاح فلا باس لان العبرة في النهاية بالنتائج ! الأن بكل أسف تحول الجيش الذي لا نستطيع أن نجرده من كامل وطنيته الى أداة في أصابع حزب وجماعة ظالمة ومتسلطة بما ملكت من التمكين الحرام وقد تجردت حقيقة لا مجازا من النزعة والقيم السودانية الأصيلة في سبيل عبادة الحكم والتشبث بمحرابه الذي كادت أن تبتلعه سيول الدماء التي لم تتوقف منذ أن سطت تلك الجماعة على سلطة الشعب وصادرت حريته ومقدراته ، ولا زالت بالرغم من فشل نظرية العيش في أجواء الحروب استحلابا لعواطف الناس وخداعهم بكذبة الدفاع عن الدين ووحدة الوطن التي فضحتها الشواهد الماثلة والمتمثلة في تقسيم أرضه وعزلته والتضحية بموارده وافقار أهله واتساع رقعة مظالم الهامش والأطراف وتباعد انسانها عن بعضه، و تلك الجماعة الفاسدة لا زالت تحاول تهيئة الناس والجيش لحرب جديدة ، هي مختلفة تماما ومخيفة لمجرد تصور شريطها الملتهب الممتد الالافا من الأميال من غرب البلاد ومرورا بتخوم وسطها الغربي وحتى شرقها الجنوبي ، بما يحتم توفر أعدادا من المقاتلين لا يمكن توفره الا استعانة بعدد من فائض ملايين الجيش الصيني ، فضلا عن امكانات ضعيفة في العتاد والمال لا تستطيع الميزانية التي يتحدث عن بؤسها أهل النظام قبل غيرهم ولا قبل لها بمواجهة حرب قد تطول ! لا أحد يقول أن يرفع الجيش أيا كان ولاؤه وطنيا أم ايدلوجيا الراية البيضاء أمام اى عدوان يستهدف الوطن في حد ذاته لا النظام أو يسعي للانتقاص من حدود البلاد لا مواجهة الحكم! ولكن نقول آن الأوان ليقول الجيش لا ولو لمرة واحدة لهذا النظام الدموى الذي يفتقر الى بعد النظر والرؤية الثاقبة والصبر على الحوار ولو تعنت الطرف الآخروذلك حفاظا على دماء ابنائه المدخرين لا لمحاربة أهلهم ولو انفصلوا عنهم مكرهين ولا استعداء الأطراف التي تململت فوق جمر المظالم ، طالما أن بساط السلام مفروش وان كان في ممرات طويلة وعبر وسائط واسعة البال ،ومراوحات ومماحكات هي نتاج طبيعي للشد والجذب بين أي فرقاء تحقيقا لحصيلة أكبر من المكاسب وفق المزايدات والضرب على سقف المطالب للوصول الى الحد المعقول منها، وهكذا تقول العقلية السياسية الحقة! حقا لقد مللنا خطب التعبئة الجوفاء التي باتت مفرغة من شحنات التأثير ، و شبعنا حتى التخمة من استخدام العبارات المقدسة التي باتت مثار تندر حتى بين الأطفال ، ولم يعد لها سحرها الذي يدفع بالناس للانقياد وراء جماعة اوردت الشباب من الجنود والمجيشين خداعا بالدين موارد الهلاك ، فيما اكتنزت لنفسها متاع الدنيا من المال والمقتنيات والزوجات والسلطة ، ولا زالت تراهن على بقائها من خلال اسالة المزيد من الدماء في اطراف الوطن المهددة ايضا بالسقوط من خارطة ذلك التراب الذي كان وطنا كبيرا في ظل جيش وطني كنا نغني له ( الحامي دارنا ودمنا جيشنا العزيز جيش الهناء ) فهل يعود ذلك الجيش وطنيا كما كان ويخرج من صف تلك الجماعة الى طابور الأمة الصابر على بلواها؟ ياهدانا ، وهداه الله المستعان . وهو من وراء القصد.