تعلمت منذ الطفولة أن المسافة التي تفصل بين العقل والجنون هي ذات المسافة المنطقية التي تفصل ما بين الحق والباطل ، فكلاهما يرتبط ارتباط بديهي مع بعضه البعض للدرجة التي يتعذر معها بالعجالة المعروفة لدي البشر التفريق بينهم ، فالعقل رديف للحق ، والجنون يماثل الباطل ، و الحق والعقل يحتلان المرتبة الموجبة في الجدول الفيزيائي لمقدار الطبيعة ، بينما الجنون والباطل يتصدران المؤخرة السالبة التي نزع عنها أطار العقل والحق ... لهذا لكل قطب من القطبين أمة غير متناهية من البشر ففي القطب الموجب أمة أنعم الله عليها بنعمة العقل فصارت أمة للحق ، أما في السالب فتوجد الأمة التي نزع عنها أطار العقل فأصيبت بالجنون واختلط عليها أمر التميز فصار سيان لديها الموت او الحياة ، فغياب العقل يؤرث احتقار النعم ، ويولد بالدواخل النغم ، للدرجة التي يمكن التصور من خلالها أن قائدا مثل – هتلر - كان رجلا متوحش يهوي رائحة الدماء كالذئب المراهق ، وكان ببساطة - دراكولا - الثاني الذي يقتل ضحاياه بدم بارد ويحشر علي طبقة جلودهم – مصاصة – مصنوعة من البلاستيك الرخيص ليرتشف من دماءهم قبل ان تتجلط علي عروقهم ، كان نموذج فادح ومثال طاغي للامة التي انتزع عنها أطار العقل ، لقد وظف كبرياء جنونه مثل الكثيرين من الفئة التي تدافع عن الباطل في مهمة القضاء علي الجنس البشري ، حتى أن ضحاياه من القتلى والمفقودين في الحرب العالمية الثانية كان يفوق المليار بشري قضوا بفعل النوبة الجنونية التي انتابته .. وتدور عجلة الأيام ويتوقف نبض التاريخ مرة أخري وليس أخيرة علي ضفاف أوائل القرن الواحد والعشرين ... فينظر تلقاء موجة أهل السودان فيجد أن السودانيون أكثر البشر تعظيما لشعيرة – الباطل – فالكل أنتزع عنه أطار العقل ، والكل يسعي لتدمير نفسه قبل الأخر ، لقد طووا المسافة التي تفصل بين الموت والحياة أو ان شئت قل بين الحق والباطل ، وخلطوها مثلما يخلط عمال البناء الرمل بالماء والاسمنت ، وكان نتاج ذلك عجينة سميكة من القبلية البغيضة التي أدخلت الباطل في حرب مع الباطل ... وما اقسي أنواع الحروب التي تنشي داخل القطب الواحد ، أنها كالتمرد اشد وطأة علي الجيش من الاعتداء الخارجي ، فالسالب مع السالب أقطاب متشابهة والاقطاب المتشابه متنافرة ، واذا ما التمس احدهما بالأخر فأنها تفجر مركزها الذي يحويها وتحيل قاعدته الي شظايا متناثرة صغيرة تؤذي كل من تصادفه في طريقها ... لهذا تفجر مركز الامن والسلم الاهلي بمعظم ولايات السودان ، وتناثرت القيم المجتمعية الي شظايا صغيرة قتلت كل من صادفها علي طريقها . أن حرب البسوس المتفجرة بتخوم السودان منذ كنا يافعين نسترق السمع من بين ظهرين الكبار ، هي كما اسلفت صراع بين الباطل والباطل ، وفي كل المواقف المصيرية فأن كعب الباطل عالي ، فلا هدنه يمكن أن تغريه ولا مصالحة تحفزه لينتزع حقه المفترض ، فالأمر أكبر من طاقاته المهدرة في سبيل المغالاة ، أنه يريد أن يسمو بذنبه وذنب أخيه ليكون من الظالمين . د. دعاء ابو زيد [email protected]