قبل سنوات توقف بمطار الخرطوم رئيس دولة من غرب افريقيا.. أغلب الظن أن الضيف الكريم توقف اضطراراً ربما للتزود بالوقود أو الاستجمام والراحة من طول السفر.. الأعراف الدبوماسية تقول أن مثل هذا الضيف يستحق استقبالاً رئاسياً.. إلا أن الخرطوم لم تجد حرجاً أن ترسل وزيراً لإجراء الواجب البرتكولي.. ليس لنا أن نلوم إدارة المراسم برئاسة الجمهورية أو أختها في وزارة الخارجية لأن الضيف العابر جاء به الطريق الى مطار الخرطوم. نشرت أمس الزميلة (الخرطوم) خبر وصول الأمير فيصل بن مقرن بن عبدالعزيز الى مطار بورتوسودان.. لفت نظري أن الأمير السسعودي حظي باستقبال غير مسبوق.. حيث كان باستقباله بمطار بورتسودان مجلس وزراء مصغر.. حينما حطت أقدام الامير أرض السودان كان في استقباله وزير الدفاع ووزير المعادن ووزير الاستثمار بجانب والي البحر الأحمر محمد طاهر ايلا.. الأمير السعودي كان يرأس وفداً سعودياً كبيراً حملته طائرتين على ذمة (السوداني).. والي الشمالية الذي لم يصله الأمير بعد وتخلف عن تغبير أقدامه في عروس البحر الأحمر نشر عدد من الاعلانات المكثفة التي ترحب بالزائر الكبير. كل الأخبار والاعلانات المكثفة لم تكشف عن المنصب الذي يعتليه الضيف الكبير والذي يجعل كبار الوزراء يتركون الخرطوم في هذا الظرف العصيب ليتوجهوا لبورتسودان التي تشتكي من العطش.. كنت سأشيد بوزرائنا إن كانت رحلتهم تأتي بغرض ايجاد حل لمشكلة المياه التي جعلت المدارس تغلق أبوابها. ولكنهم جاءوا لمناسبة مراسمية تعتبر فرض كفاية إن قام بها البعض سقطت عن الآخرين. أتوقع أن يتصل برنامج الزائر السعودي ويشمل الالتقاء برئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه.. ثم يطوف الرجل بعض الولايات ملتقياً بعدد من ولاة أمورنا.. هذا جيد في سبيل تذليل الصعاب أمام المستثمرين.. ولكن هل المستثمرون ناشطون سياسيون يتم (خمهم) عبر اللقاءات ذات الصخب والضجيج والصور التذكارية.. المستثمرون هم رجال أعمال يهمهم الانجاز وإجمالي الأرباح. الأمر الثاني هل بالإمكان أن يحظى كل مستثمر بمثل هذا الاهتمام الذي يجعل أربعة من أرفع المسئولين يتجهون الى استقباله بمطار يبعد عن الخرطوم أكثر من ألف كيلومتر.. الواقع أن هذا التسيس للرحلات الاستثمارية غير مفيد بل ربما يعطى الآخرين الاحساس بأننا بلد طارد للاستثمار ولا نصدق أن رجل أعمال شاطر جاءنا برجليه يبحث عن فرصة للربح الحلال. في تقديري أن علينا دائماً استحضار مبدأ المعاملة بالمثل في التعامل البرتكولي.. يندر جداً أن يذهب خادم الحرمين الشريفين لاستقبال رئيس أو ملك في مطار الرياض.. بل أن بعض الزعماء يحجون ويعمرون ولايسمع بهم الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. حتى في مصر الجديدة يقوم الدكتور هشام قنديل بمهام استقبال الوفود الرئاسية التي تزور قاهرة المعز. دائماً يأتيني يقين أننا بلد يخلط بين الاستثمار والعلاقات العامة.. الاستثمار يقوم على دراسة جدوى أما العلاقات العامة فتنتهي بصورة تذكارية ربما لا تجد لها مكان بين جدران مكتب الزائر الكبير. الاهرام اليوم www.facebook.com/traseem [email protected]