أخيرا سقط القناع الذي تدثر به حزب الله طويلا لتبرير تورطه في النزاع الدائر حاليا في سوريا ، فبعد أن صرح رئيس الحزب حسن نصر الله في أكثر من مناسبة بأن تدخل مقاتلي الحزب في سوريا جاء لحماية الشيعة والمزارات في سوريا وعلى رأسها مقام السيدة زينب ، ها هو يعود و يعلن صراحة في عيد المقاومة بأن التدخل لحماية النظام السوري من الانهيار . وقال نصر الله إن سقوط سويا يعني سقوط لبنان و المقاومة وفلسطين ، و كأنه اختزل سوريا تاريخا وشعبا وحضارة في نظام الأسد الآيل للسقوط ، فهل يعني ذلك أن حسم المعارضة السورية للمعركة الدائرة حاليا لصالحها سيكون نهاية الدولة السورية ؟ هذا ما فهمناه من حديث نصر الله الذي ربط مصير الدولة السورية وبقائها على الخارطة ببقاء هذا النظام الوحشي الذي أسفر عن وجهه القبيح بالمزيد من البطش و القتل وذبح الأطفال و النساء ، و تلطخت أياديه بدماء مواطنيه الشرفاء الذين قرروا وضع حد لافتراءات الأسرة العلوية التي كان يعتبرها الناس إلى وقت قريب المدافع الأوحد عن حقوق العرب و حامية العروبة من الصلف الإسرائيلي و سياساته التوسعية . وسرعان ما انكشف هذا الوهم عندما وجه النظام بوصلة طائراته لدك المدن و المحافظات التي انطلقت منها شرارة الثورة ، وضغط على زناد أسلحته الموجهة لنحور المواطنين العزل في بداية الاحتجاجات التي بدأت سلمية ومطالبة بحقوق مشروعة و منطقية ، وفي لمحة البصر حولها النظام إلى حرب أهلية حصدت عشرات الآلاف من الأرواح و شردت الملايين داخل سوريا وخارجها ، و لا تزال مستعرة ويزيدها حزب الله حطبا لتقضي على ما تبقى من الدولة و اللحمة السورية . إن تورط حزب الله في هذا النزاع له دلالات عديدة ، منها أن النظام الأسدي بات أقرب للزوال بعد أن أحكم الجيش الحر قبضته على العديد من المدن و المناطق السورية لذلك دخل الحزب في حرب بالوكالة لترجيح كفة النظام داخل الميدان ، كما يؤكد هذا التطور السريع أن حزب الله كان موجودا منذ بداية الأزمة السورية عبر كتائبه وشبيحته بجانب قوات النظام يقتل ويذبح الأبرياء دون هوادة ، وأخذ يتدرج في تدخله كلما وهن النظام أمام ضربات المعارضة الموجعة . وبهذه الخطوة الاستفزازية نقل حزب الله الصراع إلى داخل لبنان ، و الدليل سقوط عدد من الصواريخ على الضاحية الجنوبية في بيروت وعلى مواقع الحزب في الهرمل ، ما ينذر بتأجيج نار الفتة الطائفية بين السنة والشيعة و التي قد تساعد على إطالة أمد الصراع في المنطقة ، وكذلك من شأن هذا التدخل إعاقة الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار بين المعرضة والنظام لإيجاد تسوية سياسية عبر مؤتمر ( جنيف 2 ) لأنه إذا رجحت كفة النظام في الحرب المستعرة بمساندة حزب الله فإن ذلك يغري النظام السوري على التعنت وعدم القبول بتسوية يشترط فيها تنحي بشار الأسد ، وعمليا أعلنت المعرضة السورية أنها لن تذهب إلى جنيف في ظل احتلال حزب الله و إيران لأراضي سورية . وفي محور آخر فعندما يعلن حزب الله صراحة تدخله في النزاع السوري فمن نافلة القول أن إيران موجودة قلبا وقالبا في لب الصراع ، فأينما حل حزب الله وجدت إيران من خلفه ومن أمامه ، ودور إيران في ازدياد حدة التوتر في المنطقة العربية معلوم للجميع ، وتحركاتها الاستفزازية تجاه دول الجوار لا تخفى على أحد ، ناهيك عن مواقفها المعادية لقضايا الوحدة و التنسيق و التعاون العربي المشترك ، وعلى سبيل المثال لا زال العراق يدفع ثمن التدخل الإيراني في شئونه بالمزيد من القتلى و الضحايا يوميا ، وتصاعد حدة التفجيرات وأعمال العنف الطائفية . إن وقوف حزب الله ضد تطلعات الشعب العربي السوري في الانعتاق من جور نظام الأسد وحاشيته وتنسم الحرية ، بهذه الصورة المقززة تفضح زيف التزامه بالمقاومة ، فكم قتل شبيحة الحزب وكتائبه من النساء و الأطفال في سوريا و القصير على وجه الخصوص خلال شهور قلائل ، مقابل قتلاه من الإسرائيليين منذ انطلاقة المقاومة قبل عقود من الزمان ، بالتأكيد لا وجه للمقارنة في هذه المعادلة الصعبة و الجميع يعلم ذلك ، وماذا عن دور الحزب في الاختراقات الإسرائيلية المتكررة للمجال الجوي السوري وضربها لمنشآت حيوية داخل العمق السوري ، واقع الحال يؤكد أن حزب الله لم يحرك ساكنا هو و نظام بشار تجاه الغطرسة الإسرائيلية و تحديها للاثنين معا ومن ورائهما طهران ، بل جاءت ردود فعلهما كلها إدانات و وعود بالرد المناسب في الوقت المناسب الذي لم يأت بعد . لقد دفع الشعب السوري ثمن مؤامرات حزب الله مرتين ، الأولى عندما ظل يقتطع من قوت يومه لتوفير الدعم و السلاح للحزب وتمويل نضالاته ومقاومته الزائفة ، و الثانية عندما رد نصر الله بضاعتهم إليهم مستخدما هذه الأسلحة في قتل المدنيين وتدمير سوريا ، إن ما حدث في مدينة القصير من مآسي إنسانية لن تمح من ذاكرة الشعب السوري ، وستظل وصمة في جبين نصر الله و كتائبه وحزبه الذي توهم كثيرون أنه يحمل تطلعات و آمال الشعوب العربية في منازلة إسرائيل ومقاومتها وصدها عن خططها التوسعية في المنطقة ، و برز هذا الاعتقاد لدى الشارع العربي مطلع الألفية ، و في غفلة وعجز النظام العربي الرسمي وتفككه وتصدعه و انسياقه وراء الحلول السلمية و المفاوضات التي كانت بالنسبة لإسرائيل مجرد ذريعة لكسب الوقت و تنفيذ مخططاتها الاستيطانية على نار هادئة ، في تلك الآونة رفع حزب الله شعار المقاومة مستفيدا من الإحباط السائد في الشارع العربي ، لذلك وجد تجاوبا من قطاعات واسعة وضعت بيضها في عمامة الحزب التي فرخت جثثا متناثرة وأوصالا مقطعة وأشلاء تبحث عن من يداويها في القصير المحاصرة ، وعمت رائحة الموت الأزقة و الحواري السورية دون استثناء . وفي تطور آخر فتح تدخل حزب الله في سوريا الباب واسعا أمام أصحاب الأجندة الجهادية من المذاهب الأخرى للانضمام إلى ركب المقاومة كرد فعل مباشر لذلك ، ما عقد المسألة وجعلها تأخذ منحى طائفيا ، وهذا الأخير أضر بالمقاومة السورية عندما تذرعت القوى الكبرى في العالم بعدم تسليح المقاومة خشية من أن تذهب إلى أيدي المتطرفين ، لكنها عدلت عن رأيها مؤخرا ورفعت الحظر عن التسليح وقيدته بشهر أغسطس المقبل أملا منها أن تشهد هذه الفترة انفراجا في جهود الحلول التفاوضية رغم أن واقع الحال يقول بغير ذلك ، وأن أي تأخير لاتخاذ إجراءات وقرارات فورية ضد النظام و الحزب يؤدي إلى إراقة المزيد من الدماء السورية ، لذا يجب على تلك القوى أن لا تربط هذا بذاك وتسرع في حماية ما تبقى من الشعب السوري من سندان النظام و مطرقة حزب الله و أسلحة إيران و فيتو روسيا ، وهذا لن يتأتى إلا بتسليح المعارضة على وجه السرعة ، وحظر الطيران فوق المجال الجوي السوري وممارسة المزيد من الضغوط على النظام وحزب الله لحقن دماء الأبرياء في سوريا . وخيرا فعل مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ختام اجتماعاته مؤخرا في جدة عندما أدان التدخل السافر لحزب الله في سوريا ، وما تضمنه خطاب أمينه العام من مغالطات باطلة وإثارة للفتن ، مقررا النظر في اتخاذ إجراءات ضد أي مصالح للحزب في دوله ، ومطالبا الحكومة اللبنانية بتحييد لبنان عن القتال في سوريا ، و ليعلم حزب الله إن إرادة الشعوب لا تقهر مهما تكالبت عليها محاور الشر و الضلال . [email protected]