* في السودان قليلون من يشكرون زوجاتهم على فعل شيء حميد.. وإن فعلوا محقوا الشكر في موضع آخر بعنادٍ لابد واقع..! ربما هي عقبة التربية العامة حالت دون التوقير اللازم ولم تهتم بثقافة وكيفية التصالح مع الكيان الناعم، فاستبانت المرأة لدينا كجدار قصير نتجاوز نقوشه الزاهية (روحاً) قبل الجسد، وذلك بقصد أو جهل أو غلو..! * المضارب العربية في وجهها الأعم عُرفت بازدراء النساء منذ زمان الجواري القديم حتى وقتنا الحاضر (مع الندرة!!)؛ وجعلت السيادة لذلك الشارب المفتول أو الوجه (العصبي) الآمر الناهي..! وفي مقابل عبودية هذا التاريخ الغابر فإن النساء كما يخبرنا أدب الجواري حظين بمقامات الاستلطاف، وإن كان الاسترقاق ازدراء يعلو ولا يُعلى عليه.. فهن الملهمات المكرّمات شعراً حين تعزّ فضيلة العتق.. وما أكثر الوارد من إضاءات القصص والحوادث في هذا الجانب.. فقد قيل أن هارون الرشيد وحده كان له أكثر من أربعة آلاف جارية، لكنه في هذه المدينة من النساء يستحسن ثلاث فقط: مُلك الثلاث الآنسات عناني وحللن من قلبي بكل مكانِ مالي تطاوعني البرية كلها وأطيعهن وهن في عصياني ما ذاك إلاّ أن سلطان الهوى وبه عُززن أعز من سلطاني أما الخليفة المأمون كنموذج عرف كلفه الشديد بالجواري؛ ومنهن حسناء أعرضت عنه ثم أعرض عنها، لكن الشوق غلبه فأرسل في طلبها بتوسلٍ وعجلة، فإذا بالرسول يتأخر.. ولما حضر نظر المأمون إلى وجهه وقال: بعثتك مرتاداً ففزت بنظرة وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا وناجيت من أهوى وكنت مقرباً فيا ليت شعري عن دنوك ما أغنى ونزّهت طرفاً في محاسن وجهها ومتعت باستظراف نغمتها أذنا أرى أثراً منها بعينيك لم يكن.. لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا * وبمناسبة الجواري: فإنني ما وجدتُ من تجاوز شاعرنا الغنائي البسيط عبد الرحمن الريح في أغنية (خداري) بهذا التشبيه: (والحور مع جَمَالِن.. بالنسبة ليك جواري)..! * في حكايات التسلّط، متفرقة تلك المواقف التي تُخذل فيها المرأة وتُهَان، لا لشيء سوى أنها (الضلع المعوج) كما يزين لنا سوء أنفسنا.. فكثيرون هم أعداؤها على مستوى المشاهير.. والأدهى منهم في العداء أولئك المغمورون من الجهلة الذين ترزح بهم البيوت؛ لا يضعون اعتبار المرأة إلاّ في (الخدمة)..! ولعله من العدل القول إن احتقار المرأة لم يكن (صناعة عربية فقط) فالغربيون والشرقيون لهم شواهد على النقيض من تكريمها؛ منهم قادة ومفكرون وأدباء اشتهروا بتحقير النساء: (ارسطو؛ سقراط؛ شوبنهاور؛ أناتول فرانس) إلى آخر القائمة الطويلة.. كما أن المحارب العظيم نابليون بونابرت مصنّف ضمن (عوازل حواء) وله قول شهير: (إن النساء خلقن ليكن عبيداً لنا.. إنهن متاعنا ولسنا نحن متاعهن.. إنهن ينتمين إلينا مثلما تنتمي الشجرة التي تحمل الثمار إلى البستاني)..! * في الجهات الأربع، ما من رجل عرف قدر المرأة وكرّمها وأوصى بها خيراً مثله صلى الله عليه وسلم، فالرسول الكريم أمعن في إجلالها حين قال: (النساء شقائق الرجال).. ومنحها المكانة المستحقة في عشرات المواضع الشريفة. * من لطائف ما قرأتُ: أن امرأة قروية كانت تصنع الطعام لرجال عشيرتها مدة عشرين عاماً دون أن تسمع منهم كلمة تقدير واحدة.. وذات يوم أبدلت الطعام بعلف للماشية؛ وإذا بصرخات الغضب ترتفع في وجهها، فقابلت تلك الصرخات بقولها: ما كنت أحسب أنكم تميّزون بين الطعام والعلف، فإني لم أسمع منكم طوال عشرين سنة كلمة شكر تدل على إنسانيتكم..! الأهرام اليوم. [email protected]