الكتابة عنك مؤلمة وشاقة ، اشهد الله انك زاهد وصادق وعفيف ، أرهقت الزعماء من بعدك وسبقت من كان قبلك ، توليت الزعامة ، وغيرك يصيح انج سعد فقد هلك سعيد ، والمشانق منصوبة ، والجراح ملكومة ، والقيادة بالخيانة مخروقة ، ولو عرض الأمر لغيرك لولى الأدبار ، كنت حبيس الثلاثة المنفى والمرأة والحزب ، وأنت تحت الأرض نضالا تبحث عن الحرية لوطن مفقود ، فلا ابن ولا زوجة ولا رفيق ، وأنت فوق الأرض ولا وطن ولا عادلة ولا حرية ، فقد الأحباب والرفقاء من حولك فمنعك قلبك الرهيف من الرفيقة والصاحبة الجميلة ، لان قلبك النازف دوما ، لا يتحمل نزيف قلوب العذارى وثكل النساء ويتم الأبناء من بعدك ، وأنت تمضي في الطريق سلمت امرك للرحمن يقينا ، للمقاصل اخافتك ، ولا السجون ردعتك ، شنقوك بالكلمة مائة مرة الحادا ، فلم تتاجر بصلاتك ولا صيامك ، صلبوك عل اسنة الرماح نفاقا سلطويا ، لان الدين عندك ليس سلعة تعرض لشراء الجماهير ، ولا عباءة تلبس في المناسبات لخداع البسطاء واستمالة القلوب ، لان الدين عندك قيمة اعلى من معاركنا السياسية ، لان الدين عندك معلق بذات الانسان . وحملت كفنك في يديك إنعتاقا من ظلم الدولة الى رحاب الوطن فكنت مثالا حيا لكفاح الوعي يا امام الفكر ، يا غاندي السودان ، تحملت الأمانة في زمن القهر ومنعتك الاستقامة والصدق للوطن من تولى الوزارة ولو احببت لنلتها ، وغيرك يلهث فلا ارضا قطع ولا ظهر ابقى ، يا امام المناضلين ووفاء للقضية وعشقا للوطن ، طرحت الاستقالة ليتقدم غيرك فكان الرفض منهم لا منك ، وقبلت التكليف حقا لا زيفا وخداعا ، ضميرك الصوفي المشبع بالأخلاق كان مدرسة فريدة نادرة في عالم السياسية لا تعرف المتاجرة بالمشاعر والأديان . عرفتك حينما التقينا في صالون والدي ، وكنت أتلمس حينذاك السياسية في بدايات ألتسعينات ، بعدما خرجت انت توا من سجن الإنقاذ إلى سجن الوطن ، تحدثت انا كثيرا بحروف ساذجة وقناعه غضة ، وكان استماعك لي درسا جديد لمعنى التواضع وعطف الصغير وتوصيل الرسالة يا نبي الفكر ومرشد العقل ، وتكرر المشهد صباح كل يوم في صالون والدي ، وقلت حينذاك لوالدي كيف تجبر ابنك على طريق ثم تتمشدق بالديمقراطية . والله انك أرهقت من بعدك وسبقت من قبلك ، وكنت رائدا وزاهدا ومعلما لمن معك، ما وجدت الصدق في زعيم حاضر غيرك ، وما عرفت نزاهة السياسية إلا عندك ، قلت لي كتاب فيصل عبد الرحمن على طه هو الأعظم في تاريخ السودان ، وأفكار محمد ابو القاسم حاج حمد أنضج ، كنت تعطي كل ذي حق حقه ولا تبخس الناس اشياهم ، زينت السياسية بالتواضع وقوة الرأي ووضوح الهدف ، جئت إلى الدنيا وحيدا وذهبت وحيدا وعشت في المنفى وحيدا ، ولكنك ذكرى خالدة ومدرسة في السياسة ، ودعك مئات آلاف تشيعا يبكون فقد الوطن وودعك الملايين بقلوب تبكي لمن تركت الأرض بعدك يا نقد يا وطن [email protected]