الوطنية شجرة تنبت في تربة الهوية. لا أدري ما درجة إيمانك بهذه النظرية؟. في رأيي أن سبب ضعف الروح الوطنية لدينا هو بسبب ضياع الهوية السودانية وقصور الثقافة بها. يمكن ان ترمي اللوم على عوامل أخرى كتربوية ونفسية. ولكن إذا ركزت وحاولت أن تستنبط شكل معين للشخصية السودانية سيصعب عليك إيجاد شكلا معينا لإنسان سوداني –بعيدا عن القبيلة والإقليم أو المنطقة- يمثل لك رمزا للإنتماء ونموذجا وطنيا وقوميا تفتخر بسودانيتك به. أبسط مثال هو في الفرق بين تشجيع فريق المريخ مثلا والفريق القومي عند خوضهم مباريات خارجية. أنظر إلى الأحزاب السياسية من حولك، من منها يمثل لك الحزب الوطني الخالص والذي لديه الرؤية الواضحة لشكل دولة السودان التي يمكن أن تعيش فيها جميع الأعراق والسحنات واللهجات والقبائل في وطن واحد. من من الأحزاب لديه الحسم القاطع لمسألة الهوية السودانية ولا يمزجها أو (يدغمسها) أو يقرنها بالإسلامية أوالعروبة أوالأفريقانية أو أحزاب عالمية أخرى. حتى الجبهة الثورية تكون فعالة إذا ربطت نفسها بكل أقاليم السودان ولم تلعب على ورقة الهامش والإنتصار لأفراده وإقتسام الثروة والسلطة مع الطغمة الحاكمة. لم أستمع لطرح واضح و قوي غير الذي قرأته للراحل د جون قرنق: الاسلام لن يوحدنا والعروبة لن توحدنا وايضا الأفريقانية لن توحدنا بل السودانوية هي التي ستوحدنا. ولكن السودانوية تحتاج لأن تكون ثقافة سائدة لكي تستطيع الهوية أن تنفخ الروح الوطنية في الوطن ولو كنت آخر السودانيين. شاهدت قبل فترة فيلم ذا لاست ساموراي " The Last Samurai" الذي يعبر عن أهمية الهوية الوطنية كثقافة تبدأ من حب الوطن والعمل من أجل المواطن إلى التضحية في سبيل ذلك. أنصحك بمشاهدة هذا الفيلم الراقي الذي يحكي عن مواطن امريكي كان ضابطا خلال حرب الدولة الأمريكية ضد الهنود الحمر الذي هم أساسا المواطنون الأصليون في الولاياتالمتحدةالأمريكية. شهد في تلك الحرب كيف إجتاحت القوات الأمريكية قرى الهنود الحمر حيث رأى بأم عينيه أطفال و نساء أبرياء يذبحون وفي النهاية يترقى ويصبح كابتن وهو يشعر في قرارة نفسه إنه مجرد مجرم حرب. كان يؤنبه ضميره كثيرا، ودخل في صراع نفسي وأصبح يكره حياته . فأدمن شرب الخمر وفقد شخصيته وانهار أمام هذا الماضي القاسي المظلم وقرر بعدها أن يترك الولاياتالمتحدة. فتلقى عرضا من الجيش الياباني لتدريب أفراده ضد مواطنين الساموراي اليابانيين. كان الساموراي شديدي الولاء للدولة اليابانية وحدثت مهادنات ومباحثات سلام. ولكن المحيطين بالإمبراطور زينوا له أن محاربي الساموراي يريدون بسط الفوضى والحكم. فقتالهم وحاربهم ليقضي عليهم. أجبر الكابتن ناثان إلى الذهاب في معركة مع الجيش الياباني. فوضعته يد القدر أسيراً في قبضة محاربي الساموراي الذين قالوا له إنهم رعاع متخلفين وشرسين ومتوحشين. ولكنه يفاجأ في الأسر فيجد أن أولئك الوحوش أنهم أناس محترمون وملتزمون و يحتكمون إلى مبادئ سبعة وهي: الواجب والولاء، العدالة والأخلاق، الصدق التام، الاحترام، التعاطف، الشجاعة البطولية، الشرف. وجدهم ناثان صادقين في كل تعاملاتهم وإحترامهم لبعضهم البعض وأعجبه حرصهم على إتمام كل اعمالهم بإتقان. وكانوا يذكرونه كثيراً بالهنود الحمر. تعلم لغتهم وتعرف على أصول الولاء والشجاعة والتضحية التي يؤمن بها هؤلاء المحاربين النبلاء بشكل عجيب وربطته علاقة صداقة متينه بكاتسوموتو أحد قادة الساموراي وأحب أخته تاكا وعشقها. وبمرور الزمن وجد نفسه أنه قد صار واحداً منهم، يتبع قوانينهم ويدافع عن حقوقهم بل وإشترك معهم في التصدي لهجوم الجيش الياباني عليهم وكان بطلا حقيقيا. في آخر معركة حصد الجيش الياباني بالأسلحة الثقيلة جميع الساموراي وقد اصيب ناثان. وهو جالس على أرض المعركة يرى زعيم السامووراي المصاب قربه وهو يستل سيفه ويبقر بطنه ليموت وهو يرى كل الساموراي قد ماتوا. في هذا المشهد الرائع ينحني كل الجيش الياباني بتجلة للساموراي البطل الذي دافع عن قضية هويته ببسالة ولم يرضخ ولا سلم تسلم ولا تهتدون إلى آخر نفر. في التاريخ الحديث يعتبر الساموراي من القيادات في اليابان حيث من بينهم مؤسسو الشركات الصناعية الكبرى والمصارف التجارية. وكان لهم دور كبير في تحويل اليابان إلى قوة صناعية عالمية هائلة بسبب وطنيتهم. الرسالة التي قالها الساموراي الآخير: التمسك بالمبدأ والموت أشرف من العيش في وهم التوالي و الإمبراطور مبسوط مني. [email protected]