سئلت في منبر سياسي خاص عن رؤيتي التحليلية لحقيقة الانتقال السلس للسلطة في أمارة قطر ، وكان جوابي : لكي أرد علي مثل هذا السؤال يجب الغوص أولا ، وراء الأسباب والدوافع الفعلية التي مهدت بصورة أو أخرى علي حدوث ذلك ، ففي اعتقادي وبناء علي المتاح من المعطيات المتعلقة بالمسألة ، فأن للربيع العربي اليد الطولي في تنحي الأمير لصالح ولى العهد ، وهو تنحي خلاف ما يشاع عنه بالتنحي الروتيني الذي يأتي في أطار الشرق الأوسط الجديد ، بل هو تنحي ناهض علي القيم الفنية المحضة أو بالأحرى هو مسرحية سياسية ضرورية ، لأنه شديد الترابط العضوي بالوقائع الميدانية لنتائج التمرد المسلح في سوريا ، فالحيثيات العامة لبداية نهاية ألازمة السورية بدأت ملامحها تبرز بصورة فيها أدانه تاريخية واضحة للتحيز القطري ، وقطر ليست بالدولة التي تستطيع تحمل التكلفة المادية لاستحقاق التاريخ ، فهي أمارة صغيرة بالكاد تناضل لكي تمحو عن وجهها وصمة العار المتعلقة بالقاعدة الامريكية علي أراضيها ، فالامريكان ما استباحوا حرمة العرب ألا بعد أن حطوا الرحال علي منطقة السيلية وجعلوا منها القاعدة التي تنطلق منها العمليات العسكرية ضد الشعوب العربية ، فمن هذه القاعدة انطلقت مقدمة الجيوش الامريكية التي احتلت بغداد وجعلت من العراق الذي كان اذا ما ذكر ترتجف له فرائص اليهود ، مجرد وطن لا لون له ولا رائحة ولا طعم ، وأيضا من ذات القاعدة تمخضت فكرة القنوات الناطقة بالعربية التي أنشئت بغرض تحسين صورة القطريين لدي العرب ، وحققت في ذلك النتائج الباهرة لدرجة استطاعت بقدرة قادر أقناع العالم والعرب علي وجه الخصوص بأن المشاريع الماسونية التي تدثرت بثياب الثورات هي ربيع عربي جارف لا يتواني في طريقه من اقتلاع كل الرؤساء الثوريين الذين توعدوا اليهود بالزوال ، لهذا أعدم صدام حسين ، وتبعه العقيد القذافي ، وأوشك بشار الأسد علي اللحاق بهم ، وكل ما ارتكبوا من ذنوب هو أنهم تحدوا اسرائيل برجولة سافرة لا تخلو من شجاعة واضحة ، ولكي تكفر قطر عن أخطائها بحق العرب ، وجدت في موجة أشاعت الفوضى الخلاقة ، الطرح القوي الذي يستطيع أن يمحي عن ذاكرة العرب صورتها القديمة المتداخلة الألوان ، فهي أي – قطر - دولة تتمتع بالنصيب الوافر من الحظ ، أو بمعني أدق يمد لها الرحمن مدا ، فقد استيقظت صدفة ذات صباح ووجدت الخارطة العربية متناثرة الخطوط السياسية ، وكل الذي فعلته هو أنها أدعت دور البطولة وارتدت ثياب المهدي المنتظر ، ومثلت دور الراعي الرسمي للثورات العربية ، وتبنت القصة حتى صدقت أنها وراء كل الذي حدث بالشرق الأوسط ، ففي اعتقادها ستشب الأجيال الناهضة لتري فيها الدولة التي ساهمت بصورة أو أخري علي بسط الليبرالية كنظام سياسي موحد يدير عجلة الأنظمة العربية ، وفات عليها أن ذاكرة التاريخ ذاكرة المعية عصية علي التصدع ، فمهما تم التلاعب بتوريث السلطة تحت أي مسمي من المسميات الفضفاضة من شاكلة النقل أو الانتقال ، فأن الوجدان الجمعي للأمة يحفظ عن ظهر قلب لقطر أنها ما تبنت في يوم من الأيام قضية فيها ولو القدر اليسير من مصلحة العرب ؟ .. وعلي غرار هذا يمكنني اختزال رؤيتي التحليلية لحقيقة الانتقال في شي واحد فقط ، هو أن الأمير استنفد صلاحياته وانتهي أمد اشتراكه في أندية الروتاري ، وحان الوقت ليفسح المجال لمن هو أمضي جسارة منه علي تحمل التكاليف التي تنؤ عن حملها الجبال ، وهذا بالضرورة لا يعني اذا لم يظهر في نشرات الاخبار أنه بالفعل اعتزل السياسة ، فاللبيب بالاشارة يفهم ، أنه سيمسك من وراء الحجاب بتلابيب السلطة فيخنقها حتى تموت من شدة كتمه لأنفاسها .... د. دعاء ابو زيد [email protected]