نعلم جيداً بدءاً من معرفة كل إنسان لذاته ..التي لا يمكن أن يخدعها ولو كذّب على العالم كله ..أن لكل كاتب مبدأٌ سياسي وليس في ذلك عيب ينتقص حقه كإنسان أولاً وكمثقف له رأى ثانياً..ولا يوجد أداة إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية تتمتع بحياد كامل بعيداً عن الهوى الفكري أو الرضوح ولو بطرف خفي لمصادر التغذية المالية التي تقوم عليها ماكينة إنتاجها..بيد أن المبدأ الأخلاقي في الموازنة عند الحد المنطقي بين ذلك التنازع يظل هو الحاكم المنّظم لعلاقة تلك الآداة الإعلامية أو الكاتب مع جمهوره ..دون سفورٍ فاضح لانزلاقه المتناقض بين فجوة عين الرضاء حيناً ..ومقلة السخط حيناً آخر في تقييمه لحدث معين وقع وتبّدل في تحولات دراماتيكية متسارعةٍ خلال فترةٍ وجيزة..لا أظن أن ذاكرة المتلقي أو عيون القاريء لها قد إختلطت عليها معطيات ذلك التحول ، أو أنها بخرّت ما كان يقوله القائلون في مبتدئه ..ثم عادوا بقولٍ آخر عند خبره ! الدكتور عبد الوهاب الأفندي .. لم يستطع إزاحة إخوانيته الفاقعة ولو لسطرين فقط وهو يتناول الحدث المصري ..الذي تمناه ساخراً ..لو كان إنقلاباً كالذي نفذه جماعته في السودان وهو أحد الذين شحذوا اقلامهم لعقدٍ من الزمان دفاعاً عنه.. وكأنه أى د/ الأفندي قد سقط في بئر حيرته السحيقة من تصرف جنرالٍ منّت عليه جماعة مرسي بمنصب لم يكن يحلم به لولا إزاحتها عن طريقه عقبات كأداء كالمشير طنطاوي والفريق سامي عنان ..وكأنه يتخاطب معه بلغة الشيخ المتشدد ..وجدي غنيم حينما قال في تقييمه المتنطع و الفطير الساذج بأن السيسي قد عضّ اليد التي مدّت له بالخير ! ياترى ماذا سيكون تحليله لو أن الفريق السيسي الذي عرض على مرسى مصفوفة من المخارج من ضمنها الإستفتاء الذي نادى به دكتور الأفندي .. ولم يخضع لسطوة الإستخبارات الحاكمة لدفة القيادة العسكرية في مصر كما يرى في مقاله ذاك.. وقال الرجل وهو القائد العام ..أنا مع ولي نعمتي ورئيسي المنتخب شرعاً.. رغم الموج العارم في الشارع الذي زحف بخطى ثورته التصحيحية لإزاحة حكم الإخوان الإقصائي ..وقد أطنب الدكتور الأفندي في الثناء على مرسي ورجاحة عقله واستقلالية قراره بعد إزاحته . وكاد يرفعه الى مصاف نيلسون مانديلا ..من حيث الحكمة السياسية وتطبيق العدالة الإجتماعية البعيدة عن تمكين الجماعة والتقيد بالمسار الديمقراطي واحترام فصل السلطات والتساوي مع العامة كمواطن عادي في مقاضاة خصومه دون تنكيلٍ بهم رغم التشهير به إعلامياً! والدكتورالأفندي الذي كتب في الثامن والعشرين من يونيو المنصرم أى قبل أيامٍ فقط من عزل مرسي وطالب الرئيسين المصري والسوداني باعتبارهما فاشلين أن يستقيلا تأسياً بأمير قطر الذي تنحى في قمة نجاحه على حد وصفه ..بيد أنه لم يرى في مرسي وفترة حكمه عيباً بعد سقوطه وفي مقالة لاحقة ، كالذي إكتشفه في جماعة الإنقاذ بعد أن أصبح يغرّد في الضفة الأخرى بعيداً عن حما حكمهم الذي كتب فيه قبلاً مالم ينظمه شعراً و مدحاً إبن زيدون في ولادة بنت المستكفي .. وقد ناجاها هياماً بقوله.. لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم راياً ولم نتقلّد غيره دينا ثم عاد وخاطبهم هاجياً.. كما قال جرير ٌ للفرزدق! ابلغ بني وقبان ان حلومهم خفت فلا يزنون حبة خردل فبرغم أن الأخوان في مصر لا زالوا مصدومين حيال ماجرى لهم .وباتوا يتصرفون بعصبية بالغة من حيث الأقوال والأفعال .. ووصفوا ماحدث بانه إنقلاب عسكري..بل ووجهوا أصابع الإتهام بالخيانة لشخص الفريق السيسي في حد ذاته ..إلا أنهم لم يتطاولوا على الجيش كمؤسسة وطنية بكلمة واحدة ، فقد كان ذلك من منطلق تقديس وإحترام شعب مصر لجيشه الذي ظل وطنياً بعيداً عن التبعية الأيدلوجية للنظم التي حكمت على مر العصور قديمها وحديثها وهو ما يتفق حوله المصريون إخواناً قبل الليبرالين .. ولم يقولوا حتى على مستوى مرشدهم الشيخ محمد بديع كلاماً من شاكلة الذي أتى به الدكتور الأفندي في تحليله المغبون الذي حصره في الجانب الشمالي من الوادي واستبعد جانباً عن ذلك المقال تراكم حسابات ما فعله ويفعله الجيش السوداني الذي رضى بأن يقبع مدجناً في الجيب العقائدي للنظام الكيزاني ..بعد أن كان عباءة طمأنينة كثيفة لطالما تدثر بها الوطن كله في الحقب السابقة للإنقاذ..سواء في الديمقراطيات المتقطعة أو الديكتاتوريات الطويلة ! ولعل الرئيس المعزول مرسي ذاته كان يردد و قبل ذهابه بساعات قلائل عبارات الحب والتقدير لجيش مصر رغم شعوره بشجره الذي كان يتقدم نحوه..! فهل يكون الدكتور الأفندي في تقديراته لذلك الحدث .. ملكياً أكثر من اصحاب الوجعة ، بغض النظر عن عدم إختلاف الناس معه حول الشكل النمطي لشرعية الصناديق التي يتحدث عنها بعين الرضاء الغربي عبر منظارة الإخواني .. ويهمل رؤيتها بعدسة السخط المصري الذي أدرك خديعة فخ الإسلاميين قبل التورط غرقاً فيه. مثلما سقط شعب وجيش السودان.. وكان الدكتور الأفندي أحد الذين عمقوا حفرة شموليته المقيتة تقريظاً ، ثم آثر السلامة على الصدام من الداخل بعد الخلاف مع جماعة الحكم وليس بالضرورة مع التنظيم ..وهاجر بقلمه الى لندن ليحاضر من هناك حول مثالية الديمقراطية والشرعية الإخوانية في حكم الشعوب.. ..عجبي ! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected]