انهال سيل التبريرات من قيادات المؤتمر الوطني عن أسباب تغيير الولاة المنتخبين وإصدار كشف تنقلات داخلية، واتفقوا على سبب جديد هو تغير الحدود الإدارية للولايات بعد إعادة توزيعها بما يفقد الولاة الشرعية الانتخابية. سمعت هذا الأمر للمرة الأولى عبر الهاتف من الدكتور مختار الاصم، نائب رئيس مفوضية الانتخابات واستاذ العلوم السياسية، قال إن تغير حدود الدائرة الانتخابية يسقط الشرعية عن الشخص المنتخب، وهذا ما سار عليه قادة المؤتمر الوطني بعد يومين، قال بذلك حامد صديق المتحدث باسم المؤتمر الوطني ثم نائبة رئيس البرلمان سامية أحمد محمد. لم يكن في خاطر المؤتمر الوطني هذا الأمر، ولم يمهد له بأي إشارة، ولم يقدم هذا المبرر في الفترة السابقة، أكثر من هذا أن التفكير في تغيير الولاة ظل شأنا حزبيا ولم يتم في البرلمان أو أجهزة الحكومة، إلا بعد أن أجازه الحزب وأعلنه. كما لم نشهد بما يشي بأن هذه المسألة مؤقتة لحين إجراء الانتخابات، بدليل أن والي الشمالية المؤقت يجلس في مقعده لشهور طويلة حتى يأذن المؤتمر الوطني بالانتخابات. إذا كانت عملية تغيير حدود الولايات هي السبب الوحيد في تغيير الولاة فإن هناك أحد خيارين معقولين ، الإعلان عن انتهاء ولاية الوالي المنتخب، وتكليفه بشكل مؤقت لحين إجراء انتخابات جديدة، أو إبعاد الولاة كلهم باعتبارهم سيكونوا مرشحين منتخبين، والإتيان بشخصيات غير حزبية تدير الولايات في الفترة الانتقالية. لكن هذا لم يحدث، بل احتكر المؤتمر الوطني الأمر وقام بإجراء كشف تنقلات وكأن هذا الأمر نهائي. وتبدو مشكلة قانونية واضحة هنا، إذ أن تغيير الحدود الإدارية للولاية يعني ايضا تغيير حدود بعض الدوائر الانتخابية، بما يعني إسقاط شرعية النواب البرلمانيين في المجلس الوطني، من جانب، وإسقاط شرعية المجالس التشريعية في كل هذه الولايات فهل يحدث هذا بالفعل، أم يتم تجنب الحديث في هذا الامر واستمرار المجالس التشريعية والنواب في عملهم. دعونا نمضي لنقطة أخطر من هذه، وإن كانت تترتب على نفس النقطة القانونية التي أشار إليها الدكتور مختار الأصم، وحامد صديق وسامية، وهي تتعلق بشرعية رئيس الجمهورية. كانت الدائرة الانتخابية لرئاسة الجمهورية هي السودان كله، مليون ميل مربع، بما في ذلك الناخبين الجنوبيين، ثم انفصل الجنوب، فنقصت مساحة الدائرة الانتخابية وعدد الناخبين الذين صاروا جزءا من دولة جنوب السودان الوليدة. الدائرة الانتخابية لرئيس الجمهورية الآن هي ليست نفس الدائرة القديمة التي تم انتخابه على أساسها، فهل يسقط هذا الأمر شرعيته؟ هذا سؤال كبير يحتاج لإجتهادات في الإجابة عنه، وإما أن تكون نظرية سقوط الشرعية الانتخابية بتغيير حدود الدائرة الانتخابية سارية على الكل النواب والولاة ورئاسة الجمهورية، وإما أنها ليست نظرية صحيحة وتم اتخاذها كمبرر لعملية تغيير الولاة، وعليهم الىن استبعادها والبحث عن مبرر غيرها. [email protected]