ما القيمة إذا تغير المظهر وبقى الجوهر في مكانه،وهل أساسا تغيير المظهر مطلب شعبي،الحديث الدائر حول تعديل كبير في كافة مستويات الحكم في السياسة والوجوه والأفكار،لن يتعدى ما سبقه من أحاديث حول التعديلات،هذا إن جاز تسميتها تعديلات كبيرة،حيث أنها كانت مجرد إحلال وإبدال وإعادة تدوير لذات الوجوه،بينما السياسة قائمة والفكرة هي ذاتها،فقط التغيير يكون في صفة الوزير،بدلاً عن وزير زراعة يصبح وزيرا للمالية،ليس لأن قيادات الدولة لا تريد التغيير،بالعكس هي ترغب بشدة،لكنها عاجزة تماماً في إحداث التغيير المنشود،فقد استنفزت كل ما لديها من "إبداعات" ولم يعد بالمقدور تقديم فكرة جديدة تنقذ ما يمكن إنقاذه. لكن الحديث عن أن الرئيس يشرف بنفسه على التغيير لضمان استقرار البلاد،هو المهم في كل هذه الجلبة وهو حديث وارد بدرجة كبيرة،لكن يبقى السؤال،هل يستطيع الرئيس وضع ضمانات لذلك في ظل الوضع الحالي،وهل الرئيس صاحب الرأي المطلق بمفرده،أم أن المؤسسات التي يسيطر عليها الإسلاميون شريكة في الرأي والقرار،مغادرة الرئيس باتت وشيكة،لكن الصراعات على خلافته ربما تقود السودان إلى واد غير ذي ذرع،والرئيس يدرك ذلك ومنذ وقت ليس قصير،الإسلاميون أصبحوا في خانة أخرى غير التي كانت بالنسبة للرئيس،قرب الرئيس من الحزبين الكبيرين فسر استفهامات كثيرة،في مقدمتها ما يشبه أزمة ثقة واضحة بين الرئيس والإسلاميين فيما يتعلق بنوايا الإصلاح الذي تنادي به القيادات الإسلامية،أية حركة إصلاحية أصبحت تُفسر لدى الرئيس بأنها مطامع في السلطة،لكن يبقى هناك شيء مهم هو أن الإسلاميين في الحكم لابد أن يكونوا جزء أصيلاً من التغيير الذي يعتزمه الرئيس،وإلا سيكون تغييرا عنيفاً يكلف المزيد من الفواتير. الأزمة التي يمر بها السودان ليست أزمة جيل شيوخ يذهب ليترك الساحة للشباب فقط بل هي أزمة سياسة حكم..ملف خلافة الرئيس يشعل التوتر بين تيارات حزب المؤتمر الوطني التي تتناحر على الكرسي وهذا ما قد يُعجّل بانقسامات داخل الحزب الحاكم وبالتالي تقود البلاد إلى سيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات السيئة طالما أن الحزب مستمر وممسك بالحكم ومسيطر على جميع مفاصل الدولة،وبالمقابل من شأنه أيضاً أن يعيد الأمور إلى موقع معقول يُمكّن من حلحلة أزمات السودان وهذا ربما يكون أقرب إلى المعجزة حيث أن مقاليد السلطة كلها أصبحت تحت قبضة محكمة لا تقبل منطقة وسطى..السودان الآن أصبح مهدد في وجوده على الخريطة بفضل التشظي الذي هو نتيجة طبيعية لسياسات الإقصاء المتبعة منذ عقود،لذلك إن كان لدى الرئيس ما يقدمه قبل مغادرته،هو شيء واحد وحدة ما تبقى من السودان ومهما كلف الثمن،والأمر في هذه الحالة بيد الرئيس فقط إن أراد أن يؤسس لسودان جديد مختلف كلياً قبل مغادرته،عسى أن يعوض انفصال جنوب السودان. = الجريدة [email protected]