الرحمة للأرواح التي انتقلت إلى ربها جراء الأمطار والسيول التي عمت ولايات السودان،والتي قابلتها حالة إهمال ولا مبالاة من قبل الحكومة فوق المعدل المتوقع عادةً،ولم يعد مجدي الحديث عن تقاعس السلطات تجاه واجباتها المدفوعة القيمة،حيث لا جديد في الأمر،فقد اعتاد المواطن على كثير في مثل هذه المواقف،الأسبوع المنصرم الذي شهد كوارث الأمطار والسيول بعدد من ولايات السودان كافي جدا لاستقالة الحكومة،وليس لاستقالة مسؤول واحد،لأن هذا المسؤول الذي تقاعس عن أداء وجباته التي يدفع ثمنها المواطن فواتير وجبايات،هو غير خاضع لأي نوع من المساءلة أو المحاسبة ولا حتى الرقابة،لذلك من يحمي المقصرين فهو مقصر أيضاً ولا يستحق أن يقوم بدور مسؤول إلا من باب عدم الحياء. بث عدد من المغردين والمشاركين في مواقع التواصل الاجتماعي خبراً أرشيفياً منقول على لسان والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر يرجع تاريخه لشهر يونيو،يتحدث الخضر مفرود العضلات عن كيف أن ولايته مستعدة لفصل الخريف،وليس استعداداً عادياً،هو استعداد من لا يخشى أضرار السيول وكأن الوالي ضمن سلامة كل مواطنيه. الذاكرة القريبة والبعيدة تحمل حجماً مقدراً من الوعود الاستعراضية الزائفة،التي سرعان ما يفضحها الواقع،وهاهي مطرة واحدة أسقطت كل شيء،مطرة واحدة فقط..أقل ما يُمكن أن تفعله السلطات بعيداً عن جاهزيتها واستعدادها،أقل ما يُمكن تقديمه هو أن ينزل المسؤول من عليائه إلى أرض الواقع ويرى كيف هو الحال لدى المواطنين لحظة وقوع الكارثة يقف بجانبهم يسألهم أحوالهم،لكن ليس بعد أن يفتضح الأمر ويشرع المواطنون في تصاريف لبعضهم البعض،متضررون تحدثوا ل "قناة الشروق" صبيحة الأمطار عن غياب كامل للسلطات،حيث لم يكلف مسؤول واحد نفسه عناء الخوض في مياه الأمطار ليتفقد أحوال مواطنيه والذي في الأصل هو جالس على كرسيه باسمهم،وخبر الصحف أمس والي الخرطوم يتفقد الولاية بمروحية،نعم مروحية،ربما لا يستطيع الخضر مواجهة المواطنين وربما كثير على الوالي أن يخوض مياه الأمطار...هذه الفجوة الشاسعة بين المسؤول والمواطن هي أقسى وأمر من أضرار الأمطار نفسها،تخيلوا لو أن المسؤول لحظة الحدث وصل إلى المكان مثله مثل مواطن عادي كبقية المواطنين،كم حجم الاحتقان الذي سيزول لحظتها،هؤلاء المواطنون لا يشعرون مجرد شعور بأن المسؤول الفلاني بالفعل يمثلهم،دع عنك ما يؤديه من واجبات،مجرد الإحساس الإنساني العادي منعدم بين المسؤول والمواطن. بالتأكيد لا حديث عن مطالب بإقالة المسؤولين عن كل ما يحدث،لأننا سننفخ "قربة مقدودة"،بل تجاوز الواقع مطالب الإقالات ولا حتى المبادرة بالاستقالات،لكن المطلوب والذي ينبغي أن يصل إلى المسؤولين والسلطات،هو أنكم تجثمون على صدر المواطن،أنتم باقون بالقوة،ولا خيار أمام المواطن سوى القبول،لكن لا تخدعوا أنفسكم أنكم تمثلون المواطن،إبحثوا عن مواطن آخر أنتم تمثلونه. == الجريدة [email protected]