فى الأحداث الكارثيّة التى نتجت عن الأمطار والسيول والفيضانات ، التى ضربت البلاد طولاً وعرضاً، وأضرّت بمصالح الناس ، غابت الدولة غياباً بائناً ، وغاب إعلامها الرسمى المرئى والمسموع وكذلك إعلامها المتوالى المقروء بصورة مفضوحة تدعو للأسى وتُعيد للأذهان مشروعيّة إعادة السؤال الذى طرحه الأديب والروائى السودانى الخالد – الراحل المُقيم - الطيب صالح حين قال فى الإنقاذ: من أين يأتى هؤلاء ؟! . ويومها قال أديبنا فى مقاله الموسوم : " هل مازالوا يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى ؟ وعن الأمن والناس فى ذُعر ؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب ؟ " . وقد ختم مقاله الشهير بالعبارة الماثلة اليوم : " هل أسعار الدولار ماتزال فى صُعود وأقدار الناس فى هُبوط ؟ أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جُثّة السودان المسكين خلافة إسلاميّة سودانيّة يُبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب ؟ من أين جاء هؤلاء الناس ؟ بل – من هؤلاء الناس ؟ نعم غابت الدولة " الإنقاذيّة " وغاب مشروعها الحضارى عن الساحة والوُجود ، وغابت مؤسساتها الرسميّة والشعبيّة ، وانفضحت آلّات تطبيلها ودعايتها الماكرة،وحلّت محلّها الإرادة الشعبيّة والشبابيّة الحُرّة والمستقلّة، فوُلدت من رحم المُعاناة (حملة نفير) الشبابيّة، لتضيف إلى رصيد تُراث مُبادرات وإرث المناصرة الشعبيّة لأهل السودان ،عُمقاً إستراتيجيّاً جديداً، ومُبادرة لا يملك مفجّروها ومُفجّراتها سوى رهافة الحس الإنسانى الصادق والرغبة فى التغيير للأحسن والأفضل والصدق فى النيّة والعمل ، فى إغاثة منكوبى السيول والفيضانات. وبدلاً من أن تشكر الدولة الأيادى الشابّة التى هبّت للعمل الإغاثى، تنطّعت آلياتها الأمنيّة لتضع الصُعوبات الجسام أمام المُبادرة الإنسانيّة الخيّرة، فتطالب - تارة - من المُبادرين والمُبادرات من الأجيال الشابّة (التسجيل ) وما أدراكما التسجيل ، وتُلاحق- تارات أُخر- أنشطتهم حركتهم الخلّاقة ذات الشفافيّة العالية ، بحرب الشائعات البائرة والتشكيك البغيض.. ولكن ، هيهات !. ستمضى مُبادرة حملة نفير فى الطريق الذى اختارته ، وهو طريق عسير ، وصعب المسير ، وستُحقّق الغايات والأهداف النبيلة التى من أجلها إنطلقت فى فضاء العمل الطوعى ، دون الإلتفات للوراء وأحاديث المخذّلين والمُخذّلات من كُل النحل والأطياف. ويكفى ( حملة نفير ) فخراً وشرفاً ، أنّها وُلدت قويّة بأسنانها ، ونالت وتنال رضى الشعب والمتضرّرين من الكارثة أجمعين ،وقد إسجابت لها وتجاوبت مع ندائها الأصوات والأيادى السودانيّة الخيّرة فى الدياسبورا وكُل المنافى الإجباريّة والإختياريّة القريبة والبعيدة... وهى - بلا شك - تجربة وظاهرة تُشكّل إضافة نوعيّة ، حقيقيّة لتجارب ومُبادرات جديدة نوعيّة سابقة وفاعلة وراجحة وناجحة فى العمل الطوعى الأهلى والمُستقل وغير التقليدى فى السودان، نذكر منها على سبيل المثال ، لا الحصر، " شارع الحوادث " و" نفّاج " و " رد الجميل " و بنتها " صُحبة راكب " وغيرها من التجارب التى تستحق التقدير والثناء والإحترام . شعبنا باقٍ بجهد أجياله الجديدة ، ومبادراتهم الخلّاقة ، فأمّا الزبد " الإنقاذى " فيذهب جُفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكُثُ فى الأرض!. مدارت فيصل الباقر [email protected]