بسم الله الرحمن الرحيم تختلف الاراء حول تقييم اتفاقية سلام الشرق بين من يعتبرها اتفاقية فاشلة ونوعا من المتاجرة بالاتفاقيات مثلها مثل المتاجرة بالدين او المتاجرة بقضايا الهامش ومن يراها هايكشاب,الهايكشاب بالبداوييت(لغة شعب البجة) تعني الاستغفال اوالاستخفاف واخرين استنكروها او ايدوها يوم اعلانها متزامنة بتكوين ما يسمي بجبهة الشرق وهناك من يراها ناجحة وكمان نموذجية وانها اكثر اتفاقية صمدت ولم تشهد اي خروقات امنية وهي اتفاقية تمت بين ابناء الوطن الواحد بدون اي تدخل او ضمانات دولية ,وفئة براقماتيكية تعتبرها بداية ومساعد رئيس مع شوية بقشيش سابقة يمكن البناء عليها والمطالبة بالمزيد.هذا الاختلاف مرده اختلاف المنظور من الاتفاقية واهداف ونوايا اللاعبين الاساسيين وفي رؤيتهم للظروف والملابسات التي صاحبت الاتفاقية. يحمد لاتفاقية سلام الشرق توثيقها لظاهرة التخلف في شرق السودان.. وصفته بالمتراكم والمرتبط بالحرمان المتطاول.تقول الاتفاقية,المادة 19 البند 54 "ادراكاً للتخلف المتراكم والحرمان المتطاول فى شرق السودان، تتعهد الدولة باتخاذ اجراءات عاجلة وفعالة لتحقيق التمييز الايجابى وتبنى سياسة اقتصادية واجتماعية وتنموية مستدامة" . ظل التخلف سمة مرادفة للحياة العامة في شرق السودان .التخلف ظاهرة اجتماعية والظواهر الاجتماعية مخططة والتخطيط لا يتم الا بواسطة قوي اجتماعية ,سياسية كانت او اصولية او اقتصادية , لها مصلحة في التخلف .التفصيل في هذا الموضوع يحتاج لتحليل علمي ولكن دعنا في ما هو امامنا وهو الاعتراف والاقرار بذلك في اتفاقية سلام الشرق بما يعني ضمنيا من قبل الموقعين علي ان الصراع كان لازالة التخلف والتخلف في مفهومه البسيط هو العجز عن توفير الغذاء والدواء والماء والمأوي. توثيق ظاهرة التخلف في الاتفاقية نجاح .نجاح نظري لكنه مهم لمؤتمر البجة , الكيان السياسي لشعب البجة الذي دأب وما يزال علي انتهاج الكفاح السلمي منذ تأسيسه قبل نصف قرن وزيادة وجرب الكفاح المسلح مزاملا تنظيمات وطنية عدة ولن يضيره ,ان شاء الله ,ولن تذهب امانيه وتطلعاته هدرا بسبب اتفاقية لم يكن هو لاعبا اساسيا فيها وينتهي اجلها في خمسة سنوات وانتهت,ما دام الوعي بالمشكلة موجود ومتفق عليه ,اذ لابد من صنعاء وان طال السفر.,فهونا عليك,اخي محمد علي اونور فالحق ابلج والباطل لجلج والضرب علي المنتهي حرام (الصحافة,العدد 7194 ,تأريخ 13 اغسطس 2013م) . هنالك نجاح اخر منقطع النظير ولكن بمنظوراللاعبين الاساسيين وهما الحكومة السودانية وحزبها الحاكم المؤتمر الوطني والحكومة الاريترية الراعي والضامن الوحيد وحزبها الحاكم ايضا وهي الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية .تلاقت اجندتهما في شيئ واحد وهو اضعاف او شطب مؤتمر البجة من الخارطة السياسية. كانت الحكومة السودانية قد وقعت للتو (2005 م) اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت ضغوط دولية ومواجه لعنف متزايد في دارفور ومعارضة شمالية عينها علي السلطة ,والسلطة للساق اهم من مال للخناق كما يقول المثل السوداني .كانت اوضاعا تهدد ليس الحكومة فقط وانما اعادة هيكلة الدولة وتفكيك القوي الاجتماعية المهيمنة علي المركز المعبء للمقاومة والقتال بضراوة ضد اي تغيير..لذا كانت تسعي لتوقيع اتفاقية تكتيكية للمناورة حول تهدأة الجبهة الشرقية وبأي ثمن ولكن دون مؤتمر البجة الكفاح المسلح,ممكن تكون باي مسمي وبأي كيفية,هي لا تطيق حتي الاسم نفسه.(راجع ادبيات الاتفاقية). صادف هذا هوي لدي الحكومة الاريترية التي لم تكن اصلا معنية بالثورة البجاوية, لكنها كانت معنية بمخرجات اجتماع كمبالا ,يوغندا المعروف .اقر ذلك الاجتماع الذي عقد في بداية تسعينات القرن الماضي تحت رعاية وزير خارجية امريكا حينها مادلين اولبرايت وأنابة عن المجتمع الدولي اطارا عاما لخطة شد الاطراف لاسقاط حكومة الجبهة القومية الاسلامية .من مكونات تلك الخطة كان قرار دعم الحركة الشعبية لتحرير السودان لنقل بعض مجهودها الحربي لشرق السودان وتهديد المدن وشرايين الاقتصاد السوداني بديلا لحرب الادغال وخصوصا بعد حملات صيف العبور المشهورة وهو كان دعما استراتيجيا ظهرت نتائجه سريعا. اتخذت الحكومة الاريترية وجود قوات مؤتمر البجة ,الكفاح المسلح ذريعة لتبرير تواجد المقاتلين الجنوبين في منطقة امتداد للمجتمع البجاوي في السودان ولاحقا تطورت هذه الذريعة بتواجد مختلف تنظيمات الاحزاب السودانية المسلحة مثل قوات التحالف الفدرالي(عبد العزيز خالد) وقوات فتح(الاتحاد الديمقراطي) وجيش الامة(حزب الامة) والحزب الفدرالي(دريج ودكتور شريف حرير) والحزب الشيوعي.لم تكن الحكومة الاريترية مهتمة ولم تكن لتستطيع حتي لو ارادت ,السيطرة علي الفصائل السودانية المسلحة وتسخيرها لاجندتها لان تلك الفصائل كانت تملك المناعة السياسية ولها تواجد تنظيمي في مناطق اخري مثل مصر وبعض الدول الغربية والعربية الاخري .لكنها تمكنت من الهيمنة علي التطور التنظيمي والقرارات الاستراتيجية لمؤتمر البجة الكفاح المسلح واتخذته اداة للتأثير علي الشأن البجاوي خاصة والسوداني عامة وذلك بملاحقة واعتقال وابعاد القيادات التأريخية مثل السيد محمد طاهر ابوبكر رد الله غربته والمرحوم الشيخ طه محمد رحمه الله وجعل الجنة مثواه والشهيد مصطفي قدل علي سبيل المثال لا الحصر.اخترقت التنظيم و استطاعت الحد من تعاظم عمليات الحشد والتجنيد والتعبئة وخلقت حاجز مادي ومعنوي بين التنظيم والحاضنة الاجتماعية عبر استقطاب قوي اجتماعية محلية ممانعة للتغيير الثوري. حاصرت وحظرت اي اتصال بين التنظيم وابناء البجة في الشتات في اطار سياسة واضحة لاضعاف وتكسيح التنظيم والحيلولة دون تطوره لقوة يحسب لها في المنطقة . اصبح تنظيم مؤتمر البجة الكفاح المسلح قبيل توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية (2005 )م وحده في الجبهة الشرقية ولا سند له الا الحكومة الاريترية ومكشوف الظهر امام الحكومة المتحفزة للحسم وزاد الطين بلة عزلته من الجماهير في الاراضي المحررة وفي الداخل وتخلي وانصرف كثير من المقاتلين والمناضلين المناهضين لتصرفات القيادة عن الكفاح والنضال وبلغ التضارب والتهميش للتيار العام لمؤتمر البجة بالداخل مداه .تهيئت الظروف تماما و كانت مواتية وفعلا تم تكوين جبهة الشرق بسرعة للتوقيع علي اتفاقية سلام الشرق .السرعة كانت ضرورية لتجاوز احداث مجزرة بورتسودان عام 2005 م .بقيت الاتفاقية وانتهت مهمة جبهة الشرق ,انتهت الاتفاقية ولكن تم تحقيق الهدف وهو اضعاف مؤتمر البجة .. هذا راي وهذه حجيته ,لم اكن يوما محايدا بخصوص القضية البجاوية ولكن هذه محاولة للتجريد لتسليط الضوء علي حقيقة هامة وهي ان الاسوأ في اتفاقية سلام الشرق هو ضعف مؤتمر البجة والاخطاء السياسية وخيمة العواقب وهي نجاحات لدي اخرين لهم مصلحة في ذلك ,يجب ان يكون الهدف الان تقوية التنظيم .مؤتمر البجة ارث ومفتاح امان وتأمين لمطالب مشروعة لمجتمع سوداني لكنه متميز موقعا وثقافة ومعاناة مجتمعية تجسدت فيما تعارفنا علي تسميته بالثالوث المقيت ,الفقر والجهل والمرض. د.احمد الحسن اوشيك الخرطوم e.mail:[email protected] 14 /08 /2013 م.